منال الحصيني
عندما ينتابني الضيق كان لا بد لي من إدراج قدماي إلى «نام ديمون» الشارع الذي لا ينام. أذهب محملة بالضيق وأعود حاملة المشتريات ... أُنثى فما الضير.
في طريق العودة كان لا بد لي من المرور بذلك الزقاق الفاصل بين مكان إقامتي وذلك المعبد، كثيراً ما ينتابني الفضول لمعرفة تلك الطقوس، فما إن بدأت بالتعمّق تدريجياً لمعرفة ما يدور داخل فكر تلك المجموعة من « العُباد»..... كان لا بد من طريقة، فما إن وجدت نفسي أتبضع من متجر المعبد، يبدو لي من الوهلة الأولى أنه مخصص لفئة «النُسّاك».
لم يمنعني إصراري من التجول داخله، بل والشراء منه.
ولم تمنعهم رغبتهم في إظهار محاسن البوذية لتلك «العربية المجهولة».
مرّت الأشهر على التوالي فقد كنت زبوناً عزيزاً على قلوبهم.. لا أُخفيكم أحببت جودة تلك المنسوجات ليس لشيء إلا لكونها مريحة جداً.
أصبحت لدي امتيازات خاصة، حيث كان يسمح لي باحتساء الشاي في تلك الشرفة المطلة على قلب «سيؤل» من داخل ذلك المعبد العتيق.
الابتسامة والترحيب يرتسم على شفاه الجميع نساءً ورجالاً داخل ذلك المكان، فلغة الإشارة كانت كفيله بذلك.
ولكن كان لا بد من إيصال بعض المعلومات المبهمة وغير المفهومة... وجدت نفسي في مأزق كما لو كانوا أيضاً.
وما إن سمعت صوتاً يلاعب صغيري ذاو الأربعة الأشهر بلغةً أفهمها.. أحسست بالارتياح فهناك حتماً من سيفهمني.
إنه الدكتور (أندرو) الذي كان يجيد اللغة الكورية لكونه أمضى ستة أعوام حينها هناك، بدأ الجميع يتكلمون بصوت واحد حتى إنه لم يستطع التركيز، كان ذلك رغبة منهم في معرفة ثقافتي وهويتي الدينية.
صِدقاً لم أشعُر بالتحيّز منهم أو الغيظ تجاهي، كنت وجِلة في كيفية إيصال جمال هويتي الدينية ولكني شعرت وقتها بأني لست أهلاً لذلك..
ولكن المأزق لا يسمح.. كان لا بد من رد مُلجِم بحكمة بالغة.
نظرت إلى صغيري كي أشعر بالارتياح وربما الانتماء.
سألتهم سؤالاً بالغاً في الدقة: (ماذا عن صلواتكم؟)
اخذوا بشرحها على أكمل وجه... محاولة منهم لإقناعي.
كررت السؤال ذاته على مسامع الدكتور «أندرو»: ماذا عن صلواتك ما قبل البوذية،، كانت الإجابة مشابهة نوعاً ما.
أردفت قائلة «أبلغهم التحية وأخبرهم أن الصلوات تبقى واحدة».
رغم اختلاف المذاهب والأديان، كلنا نتلو نفس الدعاء ورجاؤنا واحد وتبقى الإنسانية رُغم اختلاف الدين لا تعترف بالفروق.
أما عن الإسلام فمن اسمه (سلام) ابحثوا عنه في أي جانب شئتم حتماً ستجدون الفرق الشاسع.
مضت السنين وفي إحدى زياراتي لإجراء الفحوصات الطبية تفاجأت أن الدكتور «أندرو» هو من سيشرف على حالتي المرضية.
الذهول كان متبادلاً! أخذنا الحديث عن ما يقارب الثماني السنوات مضت.. أخبرني أنه اعتنق الإسلام «وحسُن إسلامه».
ولا يرغب في المزيد من التجارب الروحانية، وأنه على الرغم من تجاوزه سبعين عاماً ونيفاً إلا أنه ظل يبحث عن (السلام) حتى استطاع أن يجد ضالته.