سعود عبدالعزيز الجنيدل
توجد نماذج مضيئة في حياتنا المعاصرة، تراها متميزة في مجال من المجالات، حتى في أحلك الظروف والمحن، تشع جمالًا وبهاءً وأملًا وطموحًا وعزيمةً وإصرارًا لا يعرف الكلل والملل، تحتم رفع القبعة إعجابًا وفخرًا بما قدمته تلك النماذج.
يزيد شاب نشأ في كنف والديه، ومنذ نعومة أظافره وهو مليء بالأمل والطموح، ويحب كثيرًا مساعدة الآخرين... لم يؤذِ أحدًا قط طيلة حياته، بل بالعكس تمامًا كان يهب دائمًا لمساعدة من يحتاج إليه.
ابتلي يزيد بمرض «ضمور في المخ»، الذي صار يتطور عامًا بعد عام، ومع هذه الظروف استمر على ما كان معتادًا عليه سابقًا وهو التعلق بالمساجد وقراءة القرآن، والذهاب إلى المدرسة، ومساعدة الآخرين، وزيارة كبار السن من الأقارب...
تطورت حالة يزيد وأصبح يعاني كثيرًا في المشي لوحده، فيتعثر وهو ذاهب للمسجد، ومع ذلك كان يصل دائمًا قبل الآخرين الذين لا يشكون أي علة، ومع مرور الأعوام لم يعد قادراً على المشي، فهيّأ له والداه كرسيًّا متحركًا يذهب به إلى حيث شاء.. طبعًا لم يكن يهمه إلا مكانًا واحدًا.. (المسجد).
هذه الظروف والصعوبات لم تُقابَل من يزيد بالامتعاض والسخط من قدر الله، بل بالعكس تمامًا كانت روحه الجميلة المتفائلة تلهم من حوله، وتؤثر فيهم، فالله سبحانه جعل شخصيته نموذجًا ملهمًا لكل من عرفه.
وفي خضم هذه الظروف القاهرة وكما هي شخصية يزيد المتعلقة بالله سبحانه وتعالى، لم يهدأ له بالٌ حتى يتحقق حلمه بأداء الركن الخامس وحج بيت الحرام رغم ظروف مرضه، فسعى في ذلك كثيرًا وبذل الغالي والنفيس، حتى كتب الله له ذلك.
ومنذ جائحة كورونا أضحت صحة يزيد تتراجع وتدهور، وفقد القدرة على الكلام والحركة تمامًا، ولم يعد قادرًا على الذهاب إلى مكانه الذي تعلق به كثيرًا لدرجة أنه أضحى جزءًًا منه، وهو المسجد، فأصبح يصلي على السرير حسب استطاعته.
ومع ذلك ما زال يزيد محافظًا على ابتسامته وروحه الجميلة وصبره الذي لا حد له، ورضاه بقضاء الله وقدره، وهو يعرف يقينًا أن أمر المؤمن كله خير، مصداقًا لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ».
وفي هذه الأيام يرقد يزيد على السرير الأبيض بعد تدهور صحته - أسال الله له الصحة والعافية وأن يكتب أجره - وتقول والدته التي لم تفارقه لحظة واحدة منذ ولادته، وعاشت معه ظروفه الصعبة ومراحل كفاحه في هذه الدنيا:» لا أخشى على ابني يزيد، فهو منذ نشأته وهو متعلق بالله سبحانه وتعالى وبقراءة القرآن، وكان حريصًا على الذهاب إلى الصلوات جميعها مع الآذان لم يفوت فرضًا قطٌ في صحته..
الشاب يزيد نموذج ملهم لنا في الكفاح والصبر والتعلق بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالقضاء والقدر... والاستمرار بالعيش بتفاؤل وبإيجابية مهما تكالبت الظروف والمحن.