عبدالوهاب الفايز
لا نعلم كيف سيكون مسار الأحداث في إيران.. ولكن الذي نعرفه أن العالم مأخوذ، منذ أسبوعين، بمشاهد انتفاضة شعبية في ثلاثين محافظة، وهذه الانتفاضة لها عوامل التغذية المستمرة، فالعقود الأربعة الماضية كرسها نظام الخميني لمشروع تصدير الثورة. هذا المشروع العظيم ما هي أدواته ومخرجاته: أدواته القهر ومصادرة الهويات والحريات، وإشعال الحروب في الخارج والقمع في الداخل ومخرجاته: إنتاج الفوضى والفقر!
لذا طبيعي ارتداد الثورة على نفسها بعد فشل تصديرها للخارج، فشل في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان الدولة التي تنام في أحضان السيد خادم الولي الفقيه، وفي اليمن الذي أصبح بلداً منكوبًا مدمراً! المفرح أن شعوب هذه الدول، وهي ترى الانتفاضة، سوف تدرك خطورة ولاية الفقيه الخمينية على مكونها الوطني العربي.
الجوع والفقر والقهر هي وقود الثورات والصراعات، وفي إيران تجتمع هذه الآن، وأطلقتها (ثورة الحجاب) التي اندلعت بعد مقتل الشابة الكردية (مهسا أميني)، وهذه تصنف على أنها ثورة شعبية واسعة النطاق لا تحركها قيادات سياسية أو دينية كما كانت الثورة الخضراء عام 2009 والتي استمرت لعدة أشهر وتم قمعها واعتقال قياداتها البارزة مثل مهدي كروبي ومير موسوي، واعتقال المئات من الشخصيات والقيادات السياسية التي صنفت حينها ضمن التيار الإصلاحي.
مع الأسف الثورة الخضراء لم تجد الدعم الدولي رغم حالة القمع والترويع التي اتخذها النظام، بل تسترت عليها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما سعياً وراء مكسب سياسي كان يتطلع إليه الرئيس عبر إتمام الاتفاق النووي، والأسوأ: ذهب إلى التواطؤ الخفي مع نظام الملالي مما أطلق يد قاسم سليمان وجماعاته الإرهابية لتتوسع في مشروع تصدير الثورة.
الأمر اللافت استمرار التستر الإعلامي الليبرالي اليساري الغربي، فالتغطية للانتفاضة محدودة جداً، وحتى الناشطون الحقوقيون الخليجيون الذين يتناوبون على الأقسام العربية في محطات التلفزيونية الغربية لمهاجمة دول الخليج ومصر.. هؤلاء لا يسمع لهم صوت، بعكس حماسهم حين تتم محاكمة ومعاقبة الإرهابيين والمجرمين الذين يعملون لصالح الأجندات الإيرانية.
هذه الثورة الشعبية تجد التعاطف العالمي لكون الحراك تقوده المرأة الإيرانية، فهذا يوفر عنصر الجذب القوي الذي تغذية التغطية الشعبية الواسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذه سوف تحرج النظام الإيراني عندما يتدخل بقوة لقمع هذا الحراك، كما يفعل دوما.
المتظاهرون في ساحات وشوارع مختلف المدن الإيرانية يعبرون عن رفض مجتمعي حقيقي لواقع قائم على الإذلال والقهر الاجتماعي والديني وعلى الإفقار الاقتصادي، وهو حراك يقوده شبان وشابات يتطلعون إلى الحرية والسلام والمساواة. حضور النساء القوي في الاحتجاجات وجرأتهن في خلع الحجاب وإحراقه هو تعبير رمزي يتجاوز الجانب الاجتماعي والديني إلى رفض هيمنة أيديولوجية ولاية الفقيه وأذرعتها العسكرية مثل الباسيج، ومؤسستها العسكرية الحرس الثوري الذي يهيمن على النشاطات الثقافية وحتى الاقتصادية.
الدعوات والشعارات المتمرّدة التي انطلقت في الشوارع والجامعات لم تنحصر بالحجاب، بل توسعت لتشمل المطالبات بسقوط النظام ومحاكمة (المرشد الدكتاتور)، ولعنت الباسيج، ورأينا صور الخميني وخامنئي تحرق. إخفاق النظام في رعاية مصالح الناس طبيعي أن يقود لهذه الأوضاع، والخوف أن تنزلق إيران إلى حرب أهلية.
وهذا شبح مخيف مؤلم لأن ضحاياه الأبرياء من الناس الذين عليهم مواجهة دكتاتورية الملالي. واقع لا يسعدنا أو يسرنا بالطبع. مؤلم أن نرى الخراب أو الدمار في أية جزء من العالم، وهذا ينطبق على جارتنا إيران، فالشعب الإيراني شريك في أمن المنطقة واستقرارها. لا نتمنى أن نرى بلاده تغرق في الفوضى والدمار.
انتفاضة الحجاب سوف تكون مرحلة فارقة وأساسية في عمر هذا النظام الذي ظل مشغولاً في الحروب والنزاعات وتصدير الثورة، وأكبر من عانى من هذه الثورة الشعب الإيراني ثم الشعوب العربية. الخميني حارب بالدماء العربية ومول حروبه بالأموال العربية، ولم يفرق بين سني أو شيعي. هذا النظام.. لعله ينشغل بقضاياه الداخلية حتى ينصرف عن مشاريع الخراب والدمار في العالم العربي، فقد جند الشباب الفقراء من العالم الإسلامي والدول العربية واستخدمهم في حروب وهؤلاء هم أبرز ضحايا تصدير الثورة.
من مصلحتنا القومية والأمنية ومن مصلحة الشعب الإيراني والشعوب العربية استمرار هذه الانتفاضة. هذا يتطلب منا العمل على كل الجبهات لتشجيع الموقف العالمي الذي بدا يدرك خطورة النظام على شعبه، فالإدانات في المحافل الدولية ضرورية لمحاصرة النظام وإيقافه وردعه عن إشعال الجبهات الخارجية في العراق ولبنان واليمن. سوف يفعل هذا حتى يجد الفرصة لحملة القمع القادمة.
سوف يظل الشعب الإيراني وشعوب المنطقة في معاناة وصراعات إذا بقيت العقيدة المذهبية للنظام الإيراني المبنية على انتظار ظهور المخلّص، والتي تضع الطائفة قبل الوطن هي محرك الأحداث ومنطلق المشاريع. تصدير الثورة ترتب عليه حرمان الشعب الإيراني من ثرواته ومن استثمار موقعه الجغرافي وتاريخه الثري، والأهم حرمانه من حريته.
والبحث عن الحرية هو دافع الانتفاضة الجارية منذ وفاة همسا أميني، فأغلب الاحتجاجات السابقة ضد النظام تكون محدودة في بداياتها، إلا أن هذه الانتفاضة عامة ويشارك فيها الأثرياء إلى جانب الفقراء، الشباب والآباء، وتجري في المدن الكبرى والصغرى. وما لاحظه المتابعون للشأن الإيراني هو نوعية المطالب التي تنحصر بالشأن السياسي بالذات: استهدف رحيل النظام. لقد تجاوزوا أسعار الوقود، وتحسين الدخل وعدالة الانتخابات.. إنهم يطالبون بالحرية والكرامة ورحيل الملالي.
لن يستعيد الإيرانيون حريتهم دون دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. واستنادًا إلى التاريخ الحديث، ربما لن يتحقق هذا بسبب ازدواج المعايير والنفاق السياسي، فالغرب يقاتل مع الشعب الأوكراني، ويهرب من الشعب الإيراني! هل ينتظر الغرب أربعة عقود أخرى حتى يرفض الإيرانيون دعاية النظام ويتوقفون عن رؤيتهم والعالم وجيرانهم كعدو.
السؤال الكبير: أين الغرب الذين يدّعي دعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم؟ لماذا يصمت عن إرهاب نظام الملالي؟