د.فوزية أبو خالد
مثل كل عام أصبحت الرياض مقراً موسمياً دائماً بإذن الله لمعرض الكتاب السنوي وأصبحت واجهة الرياض وهذا التوقيت مهوى لقلوب تهفو بلهفة لرائحة الكتب ولا ينفطم عطشها لينابيع الكتب وما يقام على هامشه من لقاءات ثقافية وفنية بما فيها اللقاء الحلم بين الكُتاب وبين أطياف القراء عبر منصة توقيع المؤلف.
ولعلي بهذه المناسبة التي أرجو أن أحظى فيها بتجديد التوقيع لكتاب سيرة الأمهات أقدم فكرة بسيطة عن الكتاب ليس دعاية له وإن لم يخل الأمر من هذا ولكن أيضا تنويها بموضوعه النادر كشهادة شعرية وكوثيقة اجتماعية عن سيرة الأمهات بهذا الوطن الغالي وعن دور الأمهات الجبار في صناعة ماضي هذا الأرض وحاضرها ومستقبلها الوضاء بإذن الله.
أبطال كتاب سيرة الأمهات
خمسون قامة..
وخمسون قلماً..
يشكلون رايات الحبر الأبيض التي كتب بها الكتاب
خمسون كاتبة وكاتباً وخمسون أماً قمن جميعاً بكتابة كتاب سيرة الأمهات.
وهم يمثلون المجتمع السعودي رمزياً بكل تنوع النسيج الاجتماعي وأطيافه المؤتلفة في وحدة المملكة والمختلفة في تشكيل تنوعها وتعددها الجغرافي والتاريخي والثقافي والبشري كينابيع متعددة رافدة على قدم المساواة للحمة الوطنية فالمشاركات في هذا الكتاب تعمدت أن تكون تمثيلا لكل مناطق المملكة، كل تشكيلاتها الثقافية وكل مكوناتها الطبقية وكل تعدد الأجيال وتداخلها واستقلالها
أمثلة للأمهات الممثلات في الكتاب الأم دكتوراه، لم تذهب للمدرسة، راعية، مزارعة, ربة بيت، مواجهة للتحدي، مربية لمواجهي للتحدي، مغتربة، من الحضر من البدو من المملكة من خارج المملكة الخ التنوع. أمهات من قلب البلاد ومن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها..
والكتاب كتبه الأبناء بنفس العدد تقريبا الذي كتبته البنات بأقلام مدربة على الكتابة.
لماذا كتاب سيرة الأمهات؟
فكرة الكتاب رمت شرارتها في روحي أمي الشريفة نور الهاشمي وقد تكاثرت تلك الشرارة في دمي مع كل قصة كفاح وقصيدة عشق خطتها أمي ومطلق الأمهات على كتاب الحياة بحبر الحياة.
مراحل التفكير في كتابة سيرة الأمهات
المرحلة الرومانسية في البداية كانت أمنيتي أن أكتب كتابا عن سيرة الأمهات تتشابه أو تتمثل في أغنية ست الحبايب (الأم التي نمرض لتطببنا نجوع لتطعمنا نبكي لتضحكنا (كتيبة ملائكة اسمها الأم).
المرحلة الثانية رغبة في الكتابة عن الأقدام التي تحتها الجنة الأكف الضارعة النفوس المتعالية على الرغبات الإنسانية اليومية الأم رمز التفاني والتسامي وكتم الجراح
مرحلة التمرد أردتُ الكتابة عن الأم التي تقمع تمردها وشغبها العذري وتقمع الأبناء والبنات لصالح أن تخرجهم مواطنين صالحين حسب الخطاب السائد وإن بسلبهم بعض حقوقهم الإنسانية مثل حقهم في الاختلاف في استقلال الذات في التعلم من تجاربهم وفي أن يبتعدوا عن الحضانة الوالدية والمجتمعية..
مرحلة التماهي الوطني لسيرة الأمهات
ما الوطن إن لم تكن قامة الأم رايته التي لا تنحني إلا لله وإن لم يكن حبها أجنحته التي تحمله وتحملنا إلى آفاق الحرية. فليس سوى الأمهات يحولن الحروب إلى برد وسلام وليس سوى الأمهات يغيرن الانقسام لتلاحم ودجى الجهل لرهجة معرفة؟. ونجد أمثلة سامقة في الشعر والنثر معاً من الكتابة عن الأم كمعادل للوطن.
الأم وطن وليس هناك سيرة للأمهات يمكن عزل شجنها الشعري ونسيجها الاجتماعي عن مكونات تراب الوطن. والسؤال هو ليس تلك العلاقة المشيمية بين الأمهات وبين الأوطان ولكن السؤال التعجبي المستحق هنا ما أقسى الأوطان التي لا تشبه الأمهات؟!
سيرة الأمهات بعين التساؤل
هل يمكن كتابة سيرة الأمهات فقط بعين الرضا وبخفض الأجنحة وبحبر يتستر على الأسئلة بالسكوت أو التجاهل عن تجربة الأمومة بطبقاتها المعقدة والعميقة؟!.
هل الأمهات كائنات مثالية لأنهن يحافظن على استمرار السلالة البشرية بأقسى أشكال الجهد الإنساني وهو جهد الحمل والولادة والرضاعة والتنشئة؟. هل حقاً أن الأمهات كائنات ملائكية، وهل الأمومة هي تجريد للأمهات بالمعنى التطهيري من زعانف المخلوق الأرضي. هل الأمومة متغيرة بعوامل الزمان والمكان والطبقة الاجتماعية والخلفية الثقافية والسائد السياسي من حيث الأدوار والوظائف والقيم.. أم أن الأمومة حالة ثابتة عبر الأزمنة والأمكنة يدخلنها الأمهات بنات خاليات ويتحولن عبرها لرسل مثقلات بأعباء القدسية؟!
أحياناً يخيل لي أن الأمومة هي المسلمة الوحيدة (الثابتة المتحركة) (الشعرية السيسيولوجية) (التجسيد والرمز) التي نادراً ما يجري مساءلتها عبر التاريخ البشري. وكأنها اليقين القاطع في الشك الدائم. فهي تمثل أقصى مرتقيات الرحمة وأقصى تخوم الأخلاق وأسمى أنواع النبل ولذلك يجري النظر والتعامل مع الأمومة بمثالية شديدة ظالمة, قد تفرض عليها نوع من الصنمية الذي يتعذر معها النظر والتعامل مع الأمومة كمنتج أرضي بما يمنع التعامل مع الأمهات كمخلوقات من لحم ودم وعقل وعاطفة ويحجب النظر إليها كخليفة الله على الأرض في جدل العمران والنقض وفي جدل الطوفان والسفينة والنصر والهزيمة، والكمال والنقص والموت والحياة.