يعد التأليف في تاريخ المدن وحضاراتها وجغرافيتها والتركيبة الديموغرافية لها من أوجه التأليف المشهورة في تراثنا العربي، ومن أكثر المدن السعودية عناية لدى الباحثين والمؤلفين مدينة الرياض؛ عاصمة المملكة العربية السعودية، وقد حرصت على جمع ما ألف عنها حسب اطلاعي القاصر، وهي تستحق فوق ذلك.
وقد قامت مدينة الرياض على أنقاض مدينة حَجْر اليمامة، وعُرفت مدينة حجر بأنها قاعدة إقليم اليمامة. يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان:2/ 221: «حَجْرٌ: بالفتح، يقال: حجَرْت عليه حجْراً إذا منعته فهو محجور، والحِجر، بالكسر، بمعنى واحد».
ويذكر ياقوت الحموي عن سبب تسمية «حّجْر» بأن عبيد بن ثعلبة الحنفي لما أتى اليمامة ووجد قصورها وحدائقها خالية من سكانها من قبيلة طسم بعد فنائها، احتجر منها ثلاثين قصراً، وثلاثين حديقة، فسميت «حَجِيْرَتُهُ» «حَجْرا».
وقد ارتحلت قبيلة بني حنيفة من أطرافِ الحجاز وعالية نجد، وسبقهم عبيد بن ثعلبة الحنفي حتى نزل في قارات الحُبل فكان هذا الموضعُ أول ما نزلت به بنو حنيفة، وكان لعبيد راع من زُبيد رأى حَجْر ورأى نخيلها وقصورها فرجع لعبيد وأخبره عنها، فركب عبيد فرسه حتى أتاها فوضع رمحه على الأرض ثم دفع الفرس، فاحتجر على ثلاثين داراً وثلاثين حديقة فسُميت (حَجْرا) وقال في ذلك:
حَلَلنا بدار كانَ فيها أنيسُها
فبادُوا وخلَّوْا ذات شيد حُصُونَهَا
فصاروا قَطيناً للفلاة بغُرْبة
رميماً وصرنا في الديار قطينها
فسوف يليها بعدنا من يحلها
ويسكن عوض سهلها وحزونها
فلما سمِعت بنو حنيفة بعبيد لحقوه وسكنوا في قرى اليمامة.
ومن أبرزِ الحوادث التي حصلت لحَجْر في الجاهلية تحريقُها من قبل بني قيس بن ثعلبة انتقاماً من أرقم بن عُبيد بن ثعلبة الحنفي الذي كان قد حرق ديارهم منفوحة، فحرقوا بنو قيس قريتين من قرى حَجْر الشط والبادية التي سُميت لاحقاً مُحرقة، التي وصفها الأعشى فقال:
وأيام حجر إذ نُحرق نخله
ثأرناكم يوماً بتحريق أرقم
كأن نخيل الشط غب حريقه
مآتم سودٌ سلبت عندَ مأتم
ويشكل على أن سبب التسمية تحجير عبيد بن ثعلبة الحنفي لها أن الاسم معروف قبل نزول بني حنيفة وكانت تسمى في عهد طسم «خضراء حجر» وقد ذكر ذلك الهمداني صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» ص 141.
ويذكر عبد الله بن خميس أن التكوين الطبيعي للبلدة هو أصل التسمية، إذ إن البلدة «حَجْر» سميت حجراً لاحتجار الجبال من جميع جهاتها. مجلة العرب، العدد 11 ص1051.
ثم اختفى اسم حجر، وبقيت أسماء قرى متفرقة هي: «مُقْرِن» و»مِعْكال» و»العَوْد» و»البَنية» و»جبرة» وغيرها.
ثم أطلق اسم الرياض عليها بسبب كثرة الأراضي المنخفضة والمتساوية التي كانت تسمى رياضاً في موضع البل فسمي بها، أو بسبب وجود عدد من الروضات فيما حول الموضع، مثل: روضة القميعة وروضة السلي فجمع ذلك بعضه إلى بعض في «الرياض».
وتقع مدينة الرياض القديمة بين وادي الوتر البطحاء الذي يفيض في منطقة منخفضة مستوية يتخللها بعض الحزون والمرتفعات تقسمها إلى رياض، ومستقرات للمياه تنبت في أرضها أنواع من النباتات.
والرياض جمع روضة، وهي كما في لسان العرب: الأرض ذات الخضرة، والبستان الحسن، والموضع يجتمع إليه الماء، يكثر نبته.
وقد صارت الرياض عاصمة للدولة السعودية الثانية سنة 1233هـ واتخذها الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله عاصمة سنة 1240هـ. ومن ذلك الحين، والرياض تزداد أهمية وحجما وسكانا، حتى وصل سكان مدينة الرياض نحو 10.5 مليون نسمة وفق إحصائيات عام 2021.
وقد بهرت الرياض زوارها في مرحلة سابقة من حيث صلاح أهلها، ففي مذكرات الطبيب الأمريكي بول هاريسون بعد زيارته للرياض عام 1917م يقول: «الرياض بلدة متواضعة، ويستحيل أن تصل إلى مستوى مدينة الهفوف، والناس هنا يعيشون من أجل الآخرة» وكتب الرحالة هاريسون سنة 1918م عن الرياض: «والذي يتغيب عن الصلاة يضرب، ويأكلون قبل الغروب بساعة ليكون لديهم الوقت الكافي للقراءة والعبادة!. وقال مثله البيطار في رحلته النادرة، بل وصف دوي المصلين والمتهجدين كأنه دوي النحل. لله تلك الجباه الطاهرة.
وما زالت الرياض تعد الرياض من أكثر المدن العالمية تعليما لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعلوم الشرعية والعربية ولله الحمد.
وفي هذا المقام نستحضر في هذا المقال مقطوعة د. غازي القصيبي رحمه الله حيث يقول:
كأنك أنتِ الرياض
بأبعادها بانسكاب الصحاري
على قدميها
وما تنقش الريح في وجنتيها
وترحيبها بالغريب الجريح
على شاطئيها
وطعم الغبار على شفتيها
أحبك حبي عيون الرياض
يغالب فيها الحنينُ الحياء
أحبك حبي جبين الرياض
تظل تلفحه الكبرياء
أحبك حبي دروب الرياض
عناء الرياض صغار الرياض
وحين تغيب الرياض
أحدق في ناظريك قليلا
فأسرح في الوشم والناصرية
وأطرح عند خريص الهموم
وحين تغيبين أنتِ
أطالع ليل الرياض الوديع
فيبرق وجهكِ بين النجوم
وفاتنة أنت مثل الرياض
ترق ملامحها في المطر
وقاسية أنت مثل الرياض
تعذب عشاقها بالضجر
ونائية أنت مثل الرياض
يطول إليها إليك السفر
وفي آخر الليل يأتي المخاض
وأحلم أنّا امتزجنا
فصرتُ الرياض
وصرتِ الرياض
وصرنا الرياض
وآمل أن يكون هذا البحث فيه فائدة للباحثين، وقد حرصت على وضع روابط للكتب الإلكترونية، وبعض الملاحق المفيدة للقارئ الكريم.
المصادر المعرفية عن مدينة الرياض
أولاً: الكتب التاريخية
1) أول كتاب طالعته عن الرياض، كان من الإصدارات الرائعة لرعاية الشباب (سلسلة هذه بلادنا) وتحدث فيه المؤلف (فهد بن عبدالعزيز الكليب) عن الرياض تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا وإداريا وحضاريا.
2) منطقة الرياض (دراسة تاريخية وجغرافية واجتماعية): وهذا كتاب ضخم عن منطقة الرياض، يمكن الحصول عليه مجانا ولكنه منته من السوق، ولعله يعاد نشره.
3) الاستيطان في وادي حنيفة: وهو بحث ماجستير للأستاذ الفاضل عبدالله الراشد، مهم في تاريخ الرياض، وليته يعيد نشره فقد نفد لنفاسته.
4) مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، وقد أرخ مؤرخ الجزيرة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- للرياض بهذا الكتاب، في (166) صفحة.
5) الرياض مدينة وسكانًا، وكيف عاشوا، تأليف أحمد الوشمي: وهو كتاب مختصر في (215) صفحة من الحجم الصغير. ويتميز بالورق الصقيل وحسن الإخراج والصور الملونة، ويصلح للإهداء لاختصاره وشموله.
6) مدينة الرياض (دراسة تاريخية في التطور السياسي والاجتماعي والثقافي) للدكتورة مضاوي الهطلاني: بحث تاريخي وهو أطروحة علمية مهمة في تاريخ الرياض الحبيبة.
7) الرياض المدينة القديمة لوليم فيسي من إصدارات مكتبة الملك عبدالعزيز سنة 1424هـ،
8) الرياض دراسات في التاريخ والتطور من إصدارات دارة الملك عبدالعزيز ع 2 سنة 30 ويتضمن العديد من الدراسات الجادة في تاريخ الرياض.
9) لمحات من تاريخ نجد في عهد الدولة الأموية (ابن عربي)، تأليف المؤرخ حمد الجاسر: معرفة بعض التواريخ التي لها علاقة بالرياض مهم جدا للباحث ومنها تاريخ والي بني أمية على اليمامة والرياض ضمنها.
10) ولاية اليمامة، تأليف د. صالح الوشمي رحمه الله: وهو بحث مميز في تاريخ اليمامة في العهد الأموي.
11) أمير الرياض (دهام بن دواس)، تأليف منصور الشاطري: ودهام بن دواس آخر أمير للرياض قبل انضمامها للدولة السعودية.
ثانياً: الكتب المؤرخة للحياة العلمية في الرياض
12) الحياة العلمية في مدينة الرياض للمؤرخ الدكتور راشد العساكر: وهو بحث دكتوراه في التاريخ، أبدع فيه كعادته، دسم فيما يشمله من وثائق ومعلومات ويقع في (676) صفحة.
13) العلم وطلابه بمدينة الرياض (في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري)، تأليف سعد آل عبداللطيف: وقد نال الكتاب استحسان القراء عن التاريخ العلمي في الرياض في نهاية القرن الماضي، ولم أقرأه وهو حري بالقراءة.
14) الرياض كما رآها فليبي، تأليف د. محمد آل زلفة: سيجد الباحث عند الغربيين الذين مروا بالرياض أو سكنوها وصفا لها ولسكانها وبنائها ومجتمعها، ومن أشهرهم عبدالله فيلبي.
15) قوافل الحج المارة بالعارض: بحث مميز للدكتور راشد العساكر وفيه ما يؤرخ للرياض.
16) تاريخ المساجد والأوقاف في بلدة الرياض القديمة، تأليف د. راشد العساكر.
17) وأما آثار الرياض، ففيها بحث الباحث المتقن محمد الحمود بعنوان: من آثار الرياض وما حولها.
ثالثاً: معاجم مدينة الرياض
18) معجم مدينة الرياض لخالد السليمان -رحمه الله-: من أمتع الكتب، فيه أسباب تسمية الأحياء والمعالم، وهو مرجع للمرشد السياحي ومن يحب الحديث عن تاريخ المعالم والأحياء وأصولها.
19) أطلس مدينة الرياض: وهذا الأطلس طبع مرة واحدة، وقد يوجد عند كتب المستعمل.
رابعاً: دراسات تاريخية مفيدة لتاريخ الرياض
20) تاريخ الردة، والثابتون على الإسلام: كتابان لهما علاقة بتاريخ الرياض.
21) سيرة بني حنيفة في حروب الردة، تأليف سليمان ابن سحيم: وهو كتاب يلخص مرحلة مهمة من تاريخ اليمامة، ومنها الرياض.
22) شعر شواعر بني حنيفة في الجاهلية والإسلام، وشاعر بني حنيفة (مروان بن أبي حفصة): فشعراء اليمامة مورد تاريخي مهم. ولدي كتاب ضخم نشرت بعضه في مجلة العربية والفيصل عن شعراء اليمامة.
23) الشعر في حاضرة اليمامة حتى نهاية العصر الأموي، تأليف د. عبدالرحمن الدباسي: وشعر اليمامة مجال خصب لتاريخ الرياض.
خامساً: كتب عن مدن انصهرت في مدينة الرياض
24) منفوحة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية: ومنفوحة جزء من الرياض، والبحث من تأليف المؤرخ د. راشد العساكر.
25) منفوحة آثارها ومعالمها، تأليف محمد الحسين: منفوحة داخلة في الرياض، وفي الكتاب فوائد ووثائق وصور توضيحية.
وبقيت مدينة صياح ومعكال والمصانع، وهي بحاجة لمن يوثق تاريخها.
سادساً: مقالات مهمة عن الرياض
1) للرحالة والضباط الغربيين اهتمام بتدوين معلومات عن الرياض عند زيارتهم لهم، وقد جمعهم الرحالة البلداني (أبو فيصل خالد المبدل).
2) مقال من (بهجة الرياض): وهو جهد رائع عن بعض ما يبهج في الرياض.
3) مقال عن أحد أمراء الرياض من قبل ابن رشيد، وهو: الشيخ فهاد بن عيادة الرخيص - أحد الفرسان والشجعان المشاهير اضافة الى نبوغه السياسي، حيث تولى منصب حاكم مدينة الرياض مرتين الأولى عام 1305 هـ والثانية عام 1308 هـ خلال عهد الأمير محمد الرشيد - كما تولى حكم منطقة الجوف بعد ذلك.
سابعاً: مقاطع مرئية فيها حديث عن جوانب من تاريخ الرياض
1) لقاء تلفزيوني مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-: https://youtu.be/zsr3dLBGWQM.
2) اكتشاف بلدة أثرية مندثرة في الرياض! هل سمعت بالحني؟ في انتظار اكتشافات أخرى.
قال د. راشد العساكر: أقدم بلدة أثرية مجاورة لحجر اليمامة (الرياض) تنتظر التنقيب الأثري من جهاتنا الحكومية.
اطلاله على تاريخ البلدة القديمة: https://youtu.be/Sua3HlCyu-4.
3) المؤرخ الدكتور الفاضل عبدالله المنيف يتحدث عن الرياض: https://youtu.be/_HijhWZ35PQ.
4) الدكتور أحمد الوشمي وحديث عن تاريخ الرياض:
https://youtu.be/zp0tNOmV8Wg.
5) العلامة حمد الجاسر وحديث سنة (1402هـ) عن تاريخ الرياض: https://youtu.be/acikRTQzZp0.
6) المؤرخ الدكتور راشد العساكر يتحدث عن وثائق الرياض: https://youtu.be/w_pq02FU8nw.
7) الشيخ الوجيه عبدالعزيز الحقباني من وجهاء الرياض الذين عاصروا التأسيس ولقاء مع المرحوم عبدالرحمن الشبيلي في شريط الذكريات: https://youtu.be/2quoIbJ-pc4.
8) لقاء مع الأمير مساعد بن عبدالرحمن -رحمه الله-: https://youtu.be/MxFcdIb93us.
9) لقاء مع الشيخ عبدالله ابن خميس مؤرخ اليمامة -رحمه الله-: https://youtu.be/3zSAAHHIhYo.
10) لقاء مع الأمير المؤرخ سعود بن هذلول -رحمه الله-: https://youtu.be/zqd5JLS3Z80.
11) لقاء مع خالد الأحمد السديري -رحمه الله-: https://youtu.be/COqpU38feUM.
12) لقاء مع الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله-: https://youtu.be/jVgaEQTBAQ0.
13) لقاء مع الأمير فهد بن محمد بن عبدالرحمن -رحمه الله-: https://youtu.be/gbJ156r6DXc.
14) لقاء مع الأمير عبدالعزيز بن ماضي -رحمه الله- من جيل التأسيس: https://youtu.be/Qs8zLzVuLDU.
15) لقاء مع الأمير تركي العطيشان، وهو ممن شارك في التأسيس: https://youtu.be/BnYrfMowMOM.
** **
- د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر