د.عبدالله بن موسى الطاير
ربما لأول مرة منذ سنوات طويلة أقود سيارتي في شوارع الرياض إبان الاحتفالات بمناسبة اليوم الوطني، كنت أستمتع بمشاهدة الاحتفالات على شاشة التلفزيون، لكن لظروف، شكرتها لاحقاً، وجدت نفسي في وسط الزحام والاحتفالات التي زينت شوارع الرياض، مرة في أول الليل ومرة في آخر الليل. في المرتين كان معي أفراد من أسرتي ووجدنا أنفسنا في عروض لم نخطط لها. شدتني فرحة الناس وتعبيرهم عن حبهم للوطن بكل السبل التي ارتضوها دون أن ألاحظ خروجاً عن قواعد اللياقة أو أن يمسني وأسرتي أحد بلفظ أو إشارة فعل غير مناسب. وبدلاً من التحفز الذي أصابني عندما وجدت نفسي في وسط الزحام، وجدت نفسي أتماهى مع حالة الفرح العارمة التي يعبر عنها مواطنون ومقيمون وأعلام أجنبية إلى جوار العلم السعودي تعبيراً عن مشاركتهم السعوديين احتفالاتهم بالوطن.
الناس يشعرون بمواطنتهم، ويتعزّز الشعور بعمل يلاحظونه وتغيير يلمسونه، وطريقة حياة اكتمل رونقها بتفعيل مشاركة الشباب والمرأة، ويترسخ اليوم الوطني في الذاكرة والقناعة الشعبية من خلال جعل اليوم الوطني مختلفاً عن بقية الأيام؛ ولذلك فهو اليوم إجازة، وأبناؤنا وبناتنا يتغنون بالوطن في مدارسهم، والحكومة والقطاع الخاص يحتفلون شعبياً من خلال العروض والترفيه والتجمعات الشعبية.
اليوم لا أحد يجادل في الوطنية، فالجميع فوق هام السحب والوطن رايته خفاقة عالية، وبلادنا تقود في المشهد العالمي من الصفوف الأمامية، وما أسسه الملك عبدالعزيز ورعاه أبناؤه من بعده رحمهم الله جميعاً، يثمر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان - أيدهما الله. 92 عاماً من البناء وتنمية الإنسان والمكان.
عندما توحَّدت المملكة كان الواقف في عاصمتها يستضيء بأنوار بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة، ولكنه اليوم يغرق في أنوار السعودية فلا يملأ بصره غيرها. ولا أحد ينكر أن الملك عبدالعزيز هو أحد دهاة العرب، ولا أحد يجادل في نجاح القيادة السعودية الحكيمة التي حافظت على النمو المتواصل على مدى 92 عاماً على الرغم من الظروف التي عصفت بالمنطقة والعالم.
عندما يكون الحديث عن السعودية فنحن لا نتحدث عن شيء عارض وإنما دولة منجزات ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، فعندما يتحدث المختصون في الهيئة الملكية لمحافظة العلا عن كنوز حضارية تتجاوز أعمارها عشرة ملايين سنة، فإن يتبادر إلى الذهن أن هذه الدولة مؤسسة على مكتسبات حضارية تكمل المسيرة وتستمد من الماضي قوة تستشرف بها المستقبل.
السعودية اليوم تحقق في منجزات في السياسة، حيث صادف اليوم الوطني نجاح مبادرة سمو ولي العهد -حفظه الله - في التوسط لتبادل الأسرى بين الجانبين الروسي والأوكراني، وفي المجال التقني تصنف المملكة واحدة من أكثر الدول تطوراً في مجال الحكومة الإلكترونية وهي تحتل -بفضل الله - ثم بالدعم غير المحدود من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده تسجل موقعاً متقدماً جداً في مجال الأمن السيبراني، وهي ترسل مواطنة سعودية للفضاء في العام القادم كأول عربية مسلمة تقتحم ما وراء الجاذبية، وفي الاقتصاد لا تحافظ المملكة على موقعها في مجموعة العشرين فحسب وإنما هي الأولى على دول المجموعة في نمو الناتج المحلي، وتتعامل معها دول العالم على أنها قوة اقتصادية لا يستهان بها، مدعومة بقرار مسؤول يحقق التوازن ويحافظ على الحياد في أوقات الأزمات والاستقطاب الحاد.
المنجز السعودي ليس رؤية قيادة فحسب وإنما أضيف إلى ذلك إيمان المواطن بالرؤية ومشاركته الإيجابية فيها. وما يلاحظه كل مراقب محايد هو ذلك الإلهام الذي يبثه سمو ولي العهد في نفوس الشباب، وهذا الإلهام يحرك القدرات ويفجر المبادرات ويصنع مجتمعاً عالي الهمة يرقب المستقبل بروح المنافسة على المقدمة ولا يرضى بغيرها. في استطلاع بي سي دبليو ونشرت نتائجه بعض المواقع فإن 97 % من الشباب السعوديين يرون أن اقتصاد المملكة يسير في الاتجاه الصحيح، ويرى 9 شباب من كل 10 أنهم سيحضون بحياة أفضل، وأن 99 % من الشباب السعودي على ثقة بأن رؤية السعودية 2030 ستضمن بناء اقتصاد قوي، ويعتقد الغالبية أن الحكومة تهتم لما يهم المواطن.
أي مشروع نهضوي في المجالات المصيرية وبخاصة في مجال التغيير المجتمعي، والاقتصادي لا يمكن أن ينجح إذا لم يكن هناك إيمان به من الشعب، ورؤية المملكة انطلقت من داخلها، لتحشد إمكانات المكان والإنسان وتنطلق بها نحو المستقبل، ولذلك فنحن موحّدون نمضي جميعاً من أجل مستقبل أفضل لدولة مكينة وشعب يضرب أروع الأمثلة للوفاء والعمل والعطاء. وكل عام والقيادة والوطن بخير.