في مثل هذا الوقت من كل عام تهلُّ علينا ذكرى اليوم الوطني السعودي، ففي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام تحل علينا هذه الذكرى الكريمة العزيزة ليس على قلوب السعوديين وحدهم بل على قلوب جميع العرب والمسلمين.
وفي هذه المناسبة المباركة ومعرض سيرتها العطرة نتذكر المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله تعالى - الذي استطاع بحكمته وحنكته ومقدرته الفذَّة أن يوحِّد ربوع هذه البلاد الشاسعة لتصبح دولة واحدة عزيزة قوية مهابة الجانب، نصر الله بها الإسلام، وسخَّرها لرفع راية التوحيد والدعوة إليه، والدفاع عنها في هذه الحقبة التاريخية المفصليَّة في تاريخ الإنسانية كلها!!
وقد سار أبناؤه البررة من ملوك المملكة - رحمهم الله جميعًا وحفظ الأحياء منهم- على نهج والدهم المؤسس في نصرة الإسلام، وحمل لواء الدعوة إلى الله تعالى، والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية والعربية في كل محفل إقليمي ودولي، حتى وصلنا إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله تعالى - ففي هذا العهد الميمون المبارك، عهد الحزم والعزم، واصلت المملكة القيام بدورها التاريخي في نصرة الإسلام والدفاع عن مصالح المسلمين ونصرة قضاياهم في كل مكان.
وفي هذه المناسبة العزيزة الغالية تتهلَّل الوجوه فرحًا واستبشارًا إذ يحتفل المواطنون والمقيمون على هذه الأرض المباركة بيوم توحيد المملكة؛ ذلك العمل العظيم المبارك الذي جعل من مملكتنا الحبيبة دولة محورية بالغة الأهمية على المستويين الروحي والاقتصادي؛ وذلك نظرًا لما تتمتع به من مقوِّمات كثيرة في مقدمتها القوتين الروحية والاقتصادية، الأمر الذي جعلها ذات تأثير عالمي كبير في شتى المجالات.
وفي هذه الذكرى الغالية تتدفق دماء العزة والكرامة الوطنية ومشاعر المجد والسؤدد، وتسري في الجميع روح الولاء والانتمـاء ممزوجة بمشاعر الفخر والاعتزاز بما يتحقق كل يوم فوق هذه الأرض المباركة من إنجازات تعكس حجم ما ينعم به أبناء هذا الوطن الغالي من رخاء وازدهار، وما منَّ الله تعالى به عليهم من فرص وفيرة أسهمت في اتساع رقعة الخير والنماء، وبناء دولة عصرية ناجحة تمتلك بفضل الله تعالى كل عناصر القوة ومقوِّماتها المختلفة ومكوِّناتها الفريدة.
وفي الواقع فإن توحيد المملكة العربية السعودية هو أهم مكتسبات الوطن التي تحققت، وفي هذه الذكرى العطرة المجيدة نتذكرها لنحافظ عليها وندعم استمرارها واستقرارها, ليبقى وطننا الغالي قويًّا عزيزًا آمنًا، يستمد مواطنوه منه القوة والعزَّة والتمكين.
وبفضل من الله تعالى تمرى بنا ذكرى اليوم الوطني هذا العام في وقت حافل بالإنجازات والنجاحات، ولندع لغة الأرقام والإحصاءات تتحدث فهي لغة محايدة لا تعرف المجاملة، فوفقًا لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء فقد حقَّق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة خلال الربع الثاني من عام 2022م ارتفاعاً بنسبة (12.2 في المائة) مقارنةً بما كان عليه خلال نفس الفترة من العام السابق 2021م، كما أفادت نتائج التقرير بأن الناتج المحلي الحقيقي للأنشطة النفطية قد حقَّق خلال الربع الثاني من هذا العام (2022م) نموًّا إيجابيًّا بنسبة (22.9 في المائة) مقارنةً بما كان عليه في نفس الفترة من العام السابق 2021م، كما حقق الناتج المحلي الحقيقي للأنشطة غير النفطية ارتفاعاً بنسبة (8.2 في المائة) مقارنةً بما كان عليه في نفس الفترة من العام السابق، وبفضل الله تعالى حقَّقت ميزانية المملكة العربية السعودية فائضًا ماليًّا بقيمة 135.4 مليار ريال (أي 36.1 مليار دولار) في النصف الأول من عام 202م.
هذا على الصعيد الاقتصادي، أما على بقية الأصعدة فخيرات تترا، فقد ازداد عدد الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، وازداد الدعم اللا محدود للبحث العلمي، حيث أعلن سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد -حفظه الله - عن التطلعات والأولويات الوطنية لقطاع البحث والابتكار للعقدين المقبلين بما يعزز من تنافسية وريادة المملكة عالمياً، لتصبح المملكة من رواد الابتكار في العالم، كما زادت المخصصات التعليمية، وتطورت الخدمات الصحية في المملكة بشكل لم يسبق له مثيل، وزادت - بشكل ملموس - المنتجات الثقافية في مختلف ميادين الفكر والأدب والثقافة والفن الرفيع الراقي الذي يحافظ على توازن بناء شخصية الإنسان السعودي بين الموروث القيمي والتحديث المطلوب لمواكبة التطور التقني في جميع المجالات.
والحق أن ذكرى اليوم الوطني السعودي ذكرى مباركة نتذكر فيها ما أنعم الله به علينا من نعم لا تحصى في مقدمتها الأمن والأمان والاستقرار والرخاء، والمستقبل المشرق الذي يفتح ذراعيه للأجيال الجديدة، وإنها لمناسبة عظيمة لتجديد الولاء لقيادتنا ولدولتنا الحكيمة، ويطيب لي أن أتقدم هنا بأسمى آيات التهنئة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولسمو سيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله تعالى وجميع أبناء الشعب السعودي الكريم سائلا المولى عز وجل أن يديم عليهم وعلينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار وأن يحفظ وطننا وبلادنا ويجنبنا شر جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
** **
أ. د. عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز السبيعي - أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية