نحتفل ويحتفل العالم أجمع بالذكرى الثانية والتسعين لتوحيد هذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية في موعد محدد من كل عام وهو اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر، احتفالاً يجسد قيم الولاء للحكومة الرشيدة والانتماء لأرضه الكريمة مع الالتزام والمسؤولية من أفراده تجاه مقدراته ومكتسباته.
يحتفل الجميع مواطنًا ومقيمًا وزائرًا بهذه المناسبة الخالدة لأهمية هذه الذكرى تاريخيًا وجغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا، تضاف لهذا العهد الزاهر الزاخر بالتطور والرخاء والازدهار.
اليوم الوطني السعودي ليس كأي يوم وطني آخر لأي دولةٍ كانت يستمد خصوصيته وتفرده ليس لكونه يزخر بالمقومات الاقتصادية أو لموقعه الجيوسياسي فحسب وإنما لعدة مرتكزات قوية: أولها، رسالته الخالدة والتي هي رسالة الإسلام وتميزه بالريادة العربية والإسلامية والعالمية ووجود الحرمين الشريفين. وثانيها، الوحدة الوطنية تحت راية التوحيد كأعظم وحدة وطنية في العصر الحديث، تجسدها اللحمة بين الحكومة والشعب والتكامل بين دور السلطة الحاكمة والشعب الكريم في بناء هذا الوطن والحفاظ على أمنه، ويؤكدها اهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بالمواطن أولاً، والخطاب السياسي من لدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ربط كافة نجاحات هذا الوطن بمكامن قوته ألا وهي قدرات الشعب السعودي. هذه الوحدة التي تجمع أبناء هذا الوطن تحت هوية كبرى لا مناطقية ولا حتى أيديولوجية إنما تحت المشترك الأكبر وهي الوحدة الوطنية. وثالثها، وجود القيادة الإستراتيجية ممثلةً بالقائد الملهم الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه - الذي نعيش اليوم آثار ما بدأه، وأبناؤه من بعده ورؤيتهم الإستراتيجية في اتخاذ القرار الرشيد في إدارة هذه الدولة.
لذلك ونحن نحتفل يجب أن نحتفل بالمنجز التاريخي ونتذكره ونذكر به، فقصة بناء هذا الوطن وتطوره قصة فريدة غير معهودة في الدول التي رسمتها القوى الاستعمارية الأجنبية، هذه القصة بدأت من الدرعية على يد الأمير محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، ثم تهاوت ثم نهضت من جديد لتصل إلى هذا العهد الزاهر عهد الملك سلمان -حفظه الله - وولي عهده الأمين محمد بن سلمان عرَّاب رؤية 2030 ببرامجها ومشاريعها ومبادراتها الضخمة.
ونحن نحتفل علينا أن نستشعر مقدرات هذا الوطن بما حباه الله من موقع إستراتيجي، وقوة استثمارية رائدة، وعمق عربي إسلامي، وعلينا أن نستحضر منجزاته العظيمة تحت ركائز الرؤية الثلاث: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزهر، والوطن الطموح.
لقد حققت المملكة نتائج متعددة خلال السنوات الماضية من إطلاق الرؤية، على صعيد منظومة العمل الحكومي، والاستثمار في التحول الرقمي، وتنويع قاعدة الاقتصاد، وزيادة التنمية المجتمعية.
ومن النتائج الملموسة، أصبح صندوق الاستثمارات العامة الأكثر سيادية في العالم والشريك الاستثماري المفضل ليرسخ مكانته في رسم ملامح المستقبل في الاقتصاد العالمي، وفُتحت منصات العمل التطوعي، ووضعت برامج تطوير رأس المال البشري وتنمية القدرات البشرية لتمكين المواطن من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محليًا والمنافسة في سوق العمل عالمياً، بل وأصبحت المملكة الأكثر إصلاحًا في الأنظمة واللوائح المرتبطة بتمكين المرأة ورفع مشاركتها الاقتصادية في سوق العمل. وعزّز برنامج جودة الحياة أنماط الحياة الإيجابية وتنوع الفرص الترفيهية والرياضية والثقافية والمحلية والعالمية.
وشهدت منظومة تنمية القدرات البشرية عدة منجزات منها استمرار العملية التعليمية رغم ظروف كورونا باستحداث المنصات الافتراضية والفصول التفاعلية. كما شارك طلاب المملكة في المحافل والمعارض الدولية: مثل، معرض «آيسف 2022» والمعرض الدولي للاختراعات والابتكارات التقنية «ايتكس2022» وحصدوا الجوائز العالمية.
وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية العالمية، حققت المملكة المراكز المتقدمة عالميًا عبر مؤشر منظومة البحث والابتكار والتطوير، ومؤشر التنافسية الرقمية بين دول مجموعة العشرين، ومؤشر تقييم الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الالكترونية، ومؤشر مدركات الفساد 2022م الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، ومؤشر التنمية البشرية (HDI) الصادر عن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2022م.
لذلك، ونحن نحتفل لا نحتفل لأجل الترفيه فقط، فإلى جانب نشر الفرح والبهجة والسرور نحتفل بمنجزات هذا الوطن ودوره الريادي القيادي محليًا وعربيًا وعالميًا في الأنشطة والقضايا الدولية كالأمن والسلام والطاقة والاقتصاد، حيث استطاعت المملكة في أقل من ربع قرن أن تحقق مراتب متقدمة ضمن دول «مجموعة العشرين» G20 ذات الاقتصادات المتقدمة.
علينا إذًا ونحن نحتفل أن نحسن المشهد الحضري بما ينسجم مع موقع المملكة المتقدم عالميًا ومكانتها الرائدة ومع ما يتفق مع توجهات القيادة الرشيدة، وأن نحافظ على تراث المملكة العربي والإسلامي والتعريف به عندما نمارس الاتصال الثقافي مع الآخر خاصة في هذه المناسبة الوطنية.
وختامًا، نهيب بأفراد المجتمع رجالاً ونساءً وشبابًا وفتيات بالتطوع في مؤسسات المجتمع المحلي من أجل البناء والتقدم وممارسة الأنشطة التعاونية التي تحتفل بهذا الوطن وتبرز إنجازاته لنوضح المكانة الحقيقية التي وصلت لها مملكتنا الغالية. نهيب أيضًا بدور التربويين ومؤسسات الدولة بالتركيز على القيم الاجتماعية وغرسها، والأسرة بدورها الأصيل كمصدر للقيم الحسنة للمحافظة على مركزنا المتقدم وخصوصيتنا الثقافية.
هذه من الممارسات الإيجابية التي يجب أن نركز عليها ونستحضرها ونحن نحتفل؛ لنبرز أين كنا وأين أصبحنا خلال اثنين وتسعين عامًا من هذا النماء والازدهار والتطور.
هذا ما ينبغي أن نكون عليه ونحن نحتفل!
** **
د. نهلاء سعود مطلق العتيبي - دكتوراه في تخطيط واقتصاديات التعليم، تعليم حائل