الحمد لله ربِّ العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. أما بعد
فما أعظم نعم الله علينا وما أكثرها (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا). ومن أعظم نعم الله علينا - بعد نعمة الإسلام- نعمة الانتماء إلى هذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية، بلد الإسلام والقرآن والأمن والإيمان. هذا الوطن الذي شرّفه الله بوجود بيته الحرام، حيث هنا قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم. ومن هنا انطلقت رسالة الإسلام، وعلى ثرى هذا الوطن تنزل الوحي المطهر والنور المبين. ومن هذه الأرض المباركة انطلقت رسالة الإسلام، حملها الصحابة الكرام الأطهار الأخيار إلى أنحاء المعمورة لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. وهنا وُلِدَ وعاش وترعرع وبلَّغ رسالة ربه نبينا وسيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ودفن جسده الطاهر في ثرى هذه الأرض الطاهرة. هذه بلادنا بنورها وصفائها ونقائها وتاريخها وماضيها وحاضرها، فنحمد الله ونشكره أن جعلنا من أهل هذه البلاد المسلمة.
ولقد أكرمنا الله وأكرم هذه البلاد بولاة أمر أخيار وقادة كبار، أدركوا قيمة هذه البلاد ومكانتها وقدسيتها وطهارتها فعملوا بكل إخلاص لخدمة هذا الدين وحمل هذه الرسالة وتسابقوا في خدمة الحرمين الشريفين توسيعاً وتطويراً وعناية ورعاية واهتماماً، وبذلوا الغالي والنفيس لخدمة قاصدي هذه الديار المقدسة من الحجاج والمعتمرين. ولتأكيد هذا المعنى وتجسيده واقعاً تسمى قائد المسيرة وولي أمر المسلمين (بخادم الحرمين الشريفين) وصار قدوة للجميع من أمراء ووزراء ومسؤولين في كل قطاع في التنافس لخدمة الإسلام وقاصدي البلد الحرام.
واليوم، ونحن نشهد مرور 29 عاماً على توحيد هذا الكيان الكبير والصرح الشامخ المملكة العربية السعودية -حرسها الله- على يد الإمام العظيم والدنا الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله-، نتذكر ما كانت عليه هذه البلاد قبل التوحيد من فوضى وتمزق وتشتت وحروب طاحنة وجوع وخوف ورعب ودماء إلى أن قيّض الله لها هذا البطل الشجاع والفارس الهمام صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، والذي استطاع بتوفيق الله ثم بما منحه الله من حكمة وحنكة وبصيرة وبعد نظر ورأي مع ما يتصف به من تديَّن وصلاح واستقامة وصدق وإخلاص استطاع -رحمه الله- أن يخوض هذه المعركة ويواجه هذا التحدي بإيمانٍ صلب وعزيمة نافذة وحزم وعزم مع نية طيبة ورغبة صادقة في الإصلاح. وما هي إلا سنوات ليست بالقليلة حتى استطاع هذا البطل أن يلم الشتات ويوحد الكيان ويجمع القلوب وأقام هذا الصرح الشامخ على قواعد صلبة وأسس راسخة ومنهج قويم قائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالتفت القلوب حول هذا الموحد المخلص المنقذ فتبدل الخوف أمناً، والجوع رخاء ورغد عيش، والتناحر والتباغض إلى حب وتآلف وتعاون في بناء هذا الوطن.
واستمر أبناء الموحد -رحمه الله- على منهج والدهم العظيم والتزموا سيرته وسياسته ومنهجه الحكيم إلى أن جاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ووفقه - فاستمر في قيادة المسيرة على نفس المنهج والسيرة حزماً وعزماً وإخلاصاً والتزاماً بالأسس والركائز التي وضعها الإمام الموحد الملك عبدالعزيز - رحمه الله- وسار عليها إخوانه من بعده -رحمهم الله جميعاً- فواصل مسيرة البناء والتنمية فأصبحت بلادنا حرسها الله مضرب المثل في الأمن والرخاء والتقدم في كافة المجالات.
يساعد هذا القائد الهمام ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ابن القائد وحفيد الموحد، فأخذ من هذا وذاك الحزم والعزم والجد والإخلاص فانطلقت بلادنا إلى القمة بهمة الرجال المخلصين، أسأل الله أن يمدهما بعونه وتوفيقه وأن يبارك في أعمارهما وأعمالهما ويحفظهما من كل سوء ومكروه ليواصلا مسيرة العطاء والنماء.
واليوم ونحن نشهد هذه المرحلة التاريخية من تاريخ وطننا العزيز يحسن بنا أن نتساءل ما واجبنا نحن المواطنين تجاه هذا الوطن الكبير وما بني عليه من أسس وركائز وما تحقق فيه من مكتسبات وإنجازات ومنجزات فأقول :
إن واجبنا جميعا رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً:
1 - أن نحافظ على المرتكزات والأسس التي قامت عليها هذه الدولة المملكة العربية السعودية والتي وضعها الموحد العظيم الملك عبد العزيز، وحافظ عليها من بعده أبناؤه البررة، رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء وأعانهم، وأن نلتزم بالهوية الدينية والوطنية والثقافية والفكرية التي قام وتأسس عليه هذا الوطن.
2 - أن نعمل بكل صدق وحب وإخلاص للمحافظة على وحدة هذا الوطن، هذا المكتسب العظيم الذي نتفيأ ظلاله، ونتصدى بكل حزم لمن يهدد وحدتنا وتلاحمنا الوطني.
3 - أن نستشعر قيمة هذا الوطن ونعرف مكانته الدينية والاقتصادية والسياسية ونحافظ عليها بكل فخر واعتزاز.
4 - أن نتلاحم مع قيادتنا وولاة أمرنا ونحمل لهم الولاء والوفاء والسمع والطاعة، ونلتف جميعاً حول هذا الوطن وحول قيادته ونكون يداً واحدة وصفاً واحداً للمحافظة على مكتسبات وطننا العظيمة ومنجزاته الكبيرة.
5 - المحافظة على ما أنعم الله به علينا من أمن شامل وأن يعد كل مواطن منا نفسه رجل أمن يملك حساً أمنياً وطنياً عالياً (كلنا أمن).
6 - الاعتزاز برموز الوطن السياسية والدينية من الولاة والحكام والأمراء والعلماء، ونحفظ لهم مكانتهم وقدرهم، ونضعهم في أماكنهم التي تليق بهم احتراماً وتقديراً وفخراً واعتزازاً
7 - تعزيز قيمة الانتماء الوطني في نفوسنا ونفوس آبائنا وبناتنا بكل الوسائل والسبل والتحذير من الولاءات الخارجية والانتماءات الحزبية والدعاوى الإقليمية والقبلية وغيرها من مذهبية وطائفية مما يتعارض مع حقيقة الانتماء للوطن وصدق المواطنة.
8 - السعي في مواجهة تيارات التطرف والغلو والتشدد والتفلت والتغريب، والتزام منهج الوسطية والاعتدال، ذلك المنهج الرشيد الذي أمر به ديننا الحنيف وأوصانا به رسولنا صلى الله عليه وسلم وسار عليه ولاة أمرنا حفظهم الله.
9 - المحافظة على ثروات الوطن وإنجازاته ومنجزاته والوقوف بحزم في وجه الفساد والمفسدين حماية لمجتمعنا واقتصادنا.
10 - أن يسهم كل واحد منا بما يستطيع من خلال عمله ومسؤولياته وتخصصه واهتماماته بكل كفاءة وجدارة وإخلاص في دفع مسيرة البناء وعجلة التنمية. هذا هو واجبنا اتجاه وطننا الغالي، وبهذا نحقق معنى الانتماء الحقيقي والولاء الصادق.
حفظ الله الوطن ورحم الموحد وأبناءه البررة وبارك وأعان قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وأدام على بلادنا ما أكرمها به الله من نعم أنه سميع مجيب.
** **
د. إبراهيم بن محمد أبو عباة - عضو مجلس الشورى سابقاً