عبدالرحمن الحبيب
«في العديد من الأماكن -سواء كانت أفغانستان، شمال غرب سوريا، أوكرانيا- أظهرت الأمم المتحدة أنها لا تملك المساحة السياسية لتنفيذ أفكار ميثاقها الأصلي.. لدينا الكثير من الوقت الآن، لكن تم تقليص دور الأمم المتحدة إلى مطاردة جيوسياسية لسيارات الإسعاف. هذا ما قاله ريتشارد جوان، مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة، مشبهاً دور الأمم المتحدة بالمحامي الذي يتابع سيارات الإسعاف إلى غرفة الطوارئ للعثور على عملاء للمطالبة بالتعويض عن الضرر الشخصي..). يقول جوان: «لا توجد دولة على الأرض لا تقول علنًا إنها تشعر أن الأمم المتحدة بحاجة إلى التغيير ومواكبة الحقائق الحالية في العالم.. لكن رؤية الجميع لما يجب أن تبدو عليه إصلاحات الأمم المتحدة مختلفة».
شارك الأسبوع الماضي ما يقرب من 150 من قادة دول العالم لحضور الجمعية العامة لهذا العام، والتي للمرة الأولى منذ جائحة كورونا تعقد حضورياً بالكامل، فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في خطاب ألقاه قبل أسبوع من هذا اللقاء، من أن الدول «تلتهمها أحماض القومية والمصالح الذاتية.. مضيفاً أن الجمعية العمومية تجتمع في وقت خطر كبير».
وقبل أشهر، ألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطابًا دراماتيكيًا متلفزًا أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وقد استشاط غضباً مما أسماه الغضب المقنَّع لهذا المجلس، قائلاً: «إذا كان تنسيقك الحالي غير قابل للتغيير، وببساطة إذا كان لا يوجد مخرج، فسيكون الخيار الوحيد هو حل نفسك تمامًا.. فأين السلام الذي أقيمت الأمم المتحدة لضمانه؟». المفارقة القاتمة أن روسيا حينها كانت تترأس دورة المجلس!
الأمم المتحدة تواجه عدداً متزايداً من الأزمات، من الحرب الروسية الأوكرانية وسلسلة الصراعات في سوريا، إثيوبيا، أذربيجان/أرمينيا، طاجيكستان/قيرغيزستان إلى أزمة الأمن الغذائي العالمي، وإلى الكوارث الطبيعية المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ، مروراً بالمنافسة الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين والقلق من فكرة الانجرار إلى حرب باردة جديدة. فهل هي بلا جدوى كما يقول المتضررون، أم يجب المحافظة عليها ودعمها، أم الحل الواقعي هو إصلاحها وتحديث وضعها وفقاً للتغيرات الحاصلة في العالم؟
هناك أصوات تتعالى في داخل مقر الأمم المتحدة، تقول إن المجلس بحاجة إلى إصلاح عاجل وجاد، إنما السؤال: كيف؟ أو بالأحرى هل ستتوافق عليه القوى الكبرى: الغرب والصين وروسيا؟. الإندبندنت أونلاين نشرت تقريراً لدبلوماسي يعمل في الأمم المتحدة في نيويورك، حمل اسماً مستعاراً هو «أمين باشا»، ذكر أنه طوال الأعوام السبعة والسبعين الماضية، كانت الأمم المتحدة تحصن نفسها خلف سلاسل من الإجراءات البيروقراطية البطيئة، لكنها ناجحة في الوقت نفسه، في التأكد من أن تقاطع الطرق بين الإنسانية والعنف يستمر واضحا، لكن الآن صار الأمر أكثر صعوبة.
يتساءل باشا، ما الشكل المناسب، والأكثر نجاعة للأمم المتحدة؟ مشيراً إلى أنها تبدو كطاولة مستديرة، عليها ما يكفي من المقاعد لجميع من يرغب في الجلوس، والتعبير عن مصالحه.. وبما أن أغلب قادة العالم ليسوا مصابين بالجنون، فيجب أن يصلوا إلى قرارات تكفل توفير الأمن والسلام والازدهار والمصالح المطلوبة لجميع الأطراف، لأن النزاعات تنشأ عادة عندما نفشل في التوصل إلى إجابة للسؤال، كيف؟ ويجيب أنه لدينا بالفعل الطاولة في منتصف الغرفة، فدعونا نستخدمها لما صنعت له، وهو ما يتوق له الموظفون، لكن لا توجد رؤية سياسية.
لا توجد رؤية سياسية أم لا يوجد قناعة بدور الأمم المتحدة؟ في تقرير مطول من صحيفة فورين بوليسي كتب روبي جرامر وأنوشا راثي: في الوقت الذي يجتمع فيه زعماء العالم لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد يتساءل الكثيرون: لماذا كل هذا؟ حيث «تواجه المؤسسة أزمة إقناع عميقة». يوضح التقرير أنه رغم تعرض جوتيريش لانتقادات واسعة لعدم قيامه بما يكفي لتجنب الحرب في الفترة التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية، فقد حقق مكاسب دبلوماسية على هوامش الصراع منذ اندلاعه، حيث سافر إلى أوكرانيا للتفاوض بشأن ممر إنساني للمقاتلين والمدنيين الأوكرانيين المحاصرين.. وساعد لاحقًا أيضًا في التوسط في صفقة بين روسيا وأوكرانيا للسماح للموانئ الأوكرانية بالبدء بأمان في تصدير السلع الغذائية الأساسية من البحر الأسود. ورغم أن رئيسة منظمة الدفاع عن مركز العدالة العالمية عقيلة راداكريشنان تنتقد أداء الأمم المتحدة إلا أنها قالت: «حتى مع شل مجلس الأمن نتيجة لروسيا، أنت ترى أن هذا النظام السياسي كان يعمل على الاستفادة من أي أدوات في حدود سلطته لمحاولة القيام بشيء ما على الأقل»..
ما هو الإصلاح المطروح حتى الآن؟ تتضمن بعض الإصلاحات التي تتم مناقشتها إضافة أعضاء دائمين جدد إلى مجلس الأمن، مثل الهند واليابان، أو الحد من عدد استخدام حق النقض (الفيتو) لأي من الأعضاء الخمسة الدائمين الحاليين، لكن من غير الواضح كيف يمكن لهذه المقترحات أن تكتسب قوة دفع في مواجهة معارضة شديدة من أي عضو دائم أو دول أخرى أعضاء في الأمم المتحدة. المشكلة هي أن الجميع يريد الإصلاح، لكن لا يوجد اتفاق حتى الآن.