سهوب بغدادي
لا تخلو حياتنا من الدعاية والإعلانات والتسويق لمنتجات وأغراض نحن في حاجتها من عدمها، ولكن الأمر أصبح لزامًا علينا في عصر كثرت فيه الخيارات, فكلما زادت الاختيارات المتوفرة كانت عملية الاختيار والقرار أصعب، وذلك ما يطلق عليه مفارقة الاختيار The Paradox of Choice بحسب المختص في علم النفس باري شوارتز، فالحرية المطلقة تقيد الأفراد دون علمهم، وهذا ما نصاب به أحيانًا من الحيرة عند الوقوف أمام خيارات عديدة وممتدة لمنتج واحد، فأي خبز أفضل؟ وأي منتج أجود؟ وأي مدرسة أختار لابني؟ وأي قميص أرتدي؟ وتمتد القائمة لتتداخل معضلة الحرية المطلقة مع سكنات حياتنا اليومية.
إن الحرية جيدة بالتأكيد في مجملها وبتعريفها الاصطلاحي، إلا أن النفس البشرية ذات طاقة محددة وجهد وتركيز محددين فما تجاوز النفس البشرية واستيعابها سيدخل في مرحلة الانغمار، فلا يطاق الإحساس إيجابًا أو سلبًا على حد سواء، في هذا الصدد، استمعت إلى محاضرة قدمها أحد فطاحلة وكالات التسويق الذي عبر أنه «بياع» درجة أولى، ويتطلب ذلك ناحية ونظرة إبداعية، ومن الحيل التي يطبقها على نفسه أن يضع المنبه لكل عشر دقائق خلال نومه! ليقوض رنين المنبه مضجعه مما يدخله في حالة من الإبداع فوق العادة، وعلى حد تعبيره»حتى يمل مني عقلي ويستسلم لرغباتي في إيجاد فكرة خلاقة للعميل»! فهل وصلنا إلى هذه المرحلة التي تمتاز بالمادية والاستهلاكية في كل لحظة في حياتنا، فلم يعد للنوم الهانئ المتصل ذات الاشتياق والاحتفاء، ولم تعد البساطة عنوانًا، بل التكلف مصدرًا ووقودًا لتعاملاتنا، أكتفي بهذا القدر من الكلام حتى لا أدخل في مرحلة التكلف والإسهاب، فالباقي متروك لكم.