خالد بن حمد المالك
كلَّما أطلَّ علينا التاريخ البهي من بوابته الواسعة، وبأمجاده وبطولاته، حيث الذكرى الـ92 غدًا ليومنا الوطني، أعادتنا هذه الذكرى إلى ما يشبه الأسطورة والمعجزة في كيفية توحيد أرض الوطن من الشتات والتمزق على يد الملك عبدالعزيز رغم محدودية الإمكانات العسكرية والمادية، لكنها العزيمة والشجاعة والإقدام نحو تحقيق الهدف الذي سعى إليه وأنجزه المؤسس، هو ما جعل هذه الوحدة واقعاً على الأرض وليس على الورق.
**
وكلَّما تجددت الذكرى السنوية، وما يقابلها من إنتشاء وفخر واعتزاز من المواطنين على امتداد الأرض، وفي كل منطقة ومدينة، أعادت الذاكرة بالإنسان السعودي إلى ما كانت عليه المملكة وما وصلت إليه في مسار التنمية والتطور والإنجازات التي مسَّتْ كل تطلعات المواطنين بصورة لا تُقارَن بدولة أخرى مرت بظروف المملكة وواجهتها ما واجهته من تحديات.
**
المملكة ظاهرة بقياس الإنجازات، وحالة لم تتكرر في دولة أخرى خلال فترة قيام الدولة السعودية الثالثة، وهذا بالأرقام، وبالإحصاءات، وبالواقع المشاهد بالعين المجردة، حيث التطور في الصحة والتعليم والخدمات، في زمن تحوَّلت فيه المملكة من صحراء قاحلة، وتعليم معدوم، وخدمات صحية لا وجود لها، إلى دولة حديثة، يتمتع فيها المواطن بأرقى الخدمات في هذه المجالات.
**
لقد رسم الملك عبدالعزيز خارطة الطريق لما تم إنجازه وبالتالي بدأ الإنجاز في عهده، وتواصل في عهود الملوك من بعده، وسجَّل كل عهد أعمالاً خالدة، وجاء كل ملك ليكمِّل مسيرة من سبقه من الملوك، وكأنَّ المملكة في سباق بينهم لتحقيق تطلعات المواطنين، ما جعل من المملكة وملوكها القدوة في تحقيق طموحات ما عجز عنه الآخرون.
**
وفي عهد الملك سلمان، وهو الملك السابع، رأينا ما أذهل العالم، ورُكِّزتْ الأنظار إليه، حيث التجديد والابتكار، وحيث العمل الذي لا يتوقف لاختصار الوقت في تحديث الدولة، وفي الإضافات الكبيرة التي شهدتها سنوات حكم الملك سلمان بما جعل من هذا العهد الزاهر نقطة توقف وتأمل وإعجاب، لأن مسيرته كانت سريعة ومجددة، ولامست ما كان في أذهان المواطنين.
**
وها هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -هدية الملك للوطن والمواطنين- ليقود حركة التجديد، ويبادر إلى قهر التحديات، وينتهج مبدأ التغيير، بأكثر مما كان متوقعاً، بل إنه هزم كل المستحيلات والمعوقات، وقاد حركة إصلاحية مؤثرة في حياة الناس ومستقبل البلاد، ما جعل الداخل والخارج يثمِّن لولي العهد عمله بكثير من التقدير.
**
ذكرى اليوم الوطني الـ92 تذكرنا بما أُنجز، فبينما قاد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- توحيد المملكة، وهي الوحدة العربية الوحيدة التي اعتمدت على ركائز مهمة، ومتطلبات ضرورية، وأهداف سامية، وقامت لتقضي على النزاع بين القبائل، وتضع برامج لتوطين البادية، وتشكيل دولة تحافظ على الأمن، وتقضي على ما يعكِّر ذلك، ضمن أهداف أخرى كثيرة، فيما تميزت عهود الملوك من بعده -رحمهم الله- باقتفاء أثر سياسات والدهم، وتنفيذ ما أوصاهم به، واستكمال ما بدأه في رحلة طويلة حافظوا فيها على مكانة المملكة.
**
أما الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان، فهذه قصة أخرى، فقد قاد هذا العهد تحديث الأنظمة، وإطلاق رؤية 2030، وفتح كل المنافذ المغلقة التي كانت تعيق حركة البناء والنماء، وتمنع أي إصلاح باسم الدين تارة وما تُعورف عليه باسم العادات والتقاليد تارة أخرى، فكان نصيب المرأة في العملية الإصلاحية كبيرًا وعظيمًا ومهمًا، إذ سُمح لها بقيادة السيارة، وحريتها -بضوابط- في السفر، واختيار الزوج، والعمل إلى جانب الرجل، وممارسة الرياضة، وتمثيل المملكة فيها، ومُكِّنتْ من أن ترأس هيئات ومراكز حكومية مهمة، بل أصبح لها الحق بالعمل في القضاء، والسلك العسكري، والدبلوماسي، ضمن برنامج طموح في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
**
أما عن المشروعات فحدث ولا حرج، فهناك العُلا، ونيوم، وذا لاين، والقدية، وجزر البحر الأحمر، والدرعية، وحديقة الملك سلمان، وما إلى ذلك، مما تحقق أو هو على قائمة الانتظار، الأمر الذي جعل من المملكة مقصداً للزيارات، خصوصًا بعد إطلاق برامج ترفيهية وسياحية، بينما كانت هذه من المحرمات، مع تسهيل الدخول إلى المملكة، وأخذ تأشيرات الزيارة من المطارات في عمل تمَّ ويتم في فترة زمنية قصيرة جداً إذا ما قِيس ذلك بأعمار قيام الدول.
**
وإن تم دعم المملكة للثقافة والسياحة والترفيه، فقد كان نصيب الشباب والرياضة جزءاً مكملاً لها، فقد دُعمت الأندية الرياضية بمبالغ كبيرة لتطوير مستوياتها قبل اللجوء إلى تخصيصها، ما جعل الأندية والمنتخبات تقدم مستويات عالية في المحافل الدولية، والمشاركة في المسابقات العربية والآسيوية والدولية، الأمر الذي يظهر نظرة القيادة، وعمق تفكيرها في بناء الدولة على أسس حديثة.
**
وفي ظل كل هذا، فقد أخذ التعليم نصيبه من التحديث، ورأينا قبل أيام ما أُعلن عن وضع جامعة الملك سعود الجديدة، وخروجها من الارتباط بوزارة التعليم، ليكون لها نظام خاص، يتميز بأنه يماثل أعرق وأهم الجامعات الأكثر تميزاً في العالم، فيما لا يزال الحرمان الشريفان والمساجد ضمن الاهتمام، وما أُعلن عنه قبل أيام عن توسعة المناطق المؤدية للحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وتحسين أوضاع المساجد في كل مناطق المملكة أكبر دليل على ذلك.
**
لهذا عندما يحتفل المواطنون سنوياً باليوم الوطنين ويعبِّرون عن فرحهم، ويشعرون بالفخر والاعتزاز لانتمائهم لهذا الكيان، فهذا نابع من حبهم لوطنهم، وتقديرهم لاهتمام القيادة بتطوره وحمايته، واستمرار تعزيز مكانته على مستوى العالم، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، فاللهم أعد هذه الذكرى سنة بعد أخرى ونحن ووطننا في غز وتقدم وإنجازات لا تتوقف.