م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - لم يأت الملك عبدالعزيز على ظهر دبابة بالبلاغ رقم واحد.. فيصبح يومنا الوطني هو يوم نجاح الانقلاب العسكري.. ولم تخرج بلادنا من استعمار عسكري فيصبح يومنا الوطني هو يوم الاستقلال.. ولم تتوحَّد بلادنا بقرار سياسي اتخذه المستعمر كقرار (سايكس - بيكو)، بل توحّدت على ظهور الجياد بقيادة الملك عبدالعزيز كآخر بلاد على الأرض يتم توحيدها من فوق صهوة جواد.
2 - الجزيرة العربية بصحرائها الشاسعة كانت ميداناً خصباً للقوي.. فنشأت ثقافة أن «القوي يأخذ الضعيف».. حتى أصبحت الشجاعة هي القيمة العليا التي لا يعلوها شيء.. وصار من ثقافة القبائل الغزو حتى عُدَّ أحد مصادر الدخل الرئيسة بجانب الرعي.. بل إنه تم استبدال مصطلح «السطو» بمصطلح «الكسب».. فغزو الآخرين والسطو على أملاكهم كان يعد شجاعة وكسباً إلى أن أتى الملك عبدالعزيز فوطد أركان الأمن حتى سرح الذئب مع الغنم وبات كل واحد على أرضها آمناً في سربه.
3 - منذ توحيد المملكة وحتى وقتنا الحالي مرت كل دول العالم من أقصاه إلى أقصاه باضطرابات أو قلاقل أو حروب أهلية أو حروب خارجية أو أزمات اقتصادية أو كوارث بيئية أو انقلابات عسكرية محقت البلاد والعباد.. إلا أن بلادنا لم تمر بكل ذلك.. ولو سألت أي مواطن في التسعين من عمره لقال لك إننا لم نشهد طوال حياتنا سوى التنمية المستدامة، وصرنا نتطلع إلى المكاسب التي سنجنيها في عامنا القادم ولم يسبق أن خفنا من المستقبل.. ودعاؤنا للمستقبل كان دائماً «اللهم زد وبارك» ولم يكن أبداً «اللهم اكفنا شره».
4 - منذ فجر التاريخ لم تتوحّد الجزيرة العربية إلا فترات قليلة تحت حكم واحد.. وعُدتَّ طرفاً من أطراف الدولة وليس المركز في كل مراحل الحكم الذي ساد عليها عبر التاريخ - باستثناء مرحلة الخلافة الراشدة - وخلال الألف سنة الماضية كانت الجزيرة العربية عبارة عن مدن وقرى متناثرة كل مدينة منها مستقلة بذاتها.. تدين بالولاء في مراحل لقبيلة ما ثم ما تنفك حتى تدين بالولاء لقبيلة أخرى، وهكذا.. ولكنها لم ترتبط برابط الدولة الواحدة إلا في مراحل متأخرة جداً، وكان ذلك مع صعود الإمام محمد بن سعود وتأسيس الدولة السعودية الأولى عام (1727م).
5 - فما الذي دفع الإمام محمد بن سعود إلى السعي لتكوين دولة مترامية الأطراف شاسعة الامتداد.. وكيف قبلت القبائل العربية التي عاشت طوال تاريخها مستقلة متناحرة فيما بينها، ولها ثارات وتاريخ دموي مع كل قبيلة أخرى مجاورة أو بعيدة.. وهي في حالة ترحال دائم لطلب المرعى على أرض أصابها التصحر.. كيف تجاوزت تلك القبائل ثاراتها التاريخية فيما بينها لتتحد تحت مظلة الدولة السعودية الأولى؟ ثم كيف تجاوز البادية والحاضرة خلافاتهما الدائمة ونظرة العداء المتبادلة ليتحالفوا معاً في الدفاع عن الدولة السعودية؟ وما الذي مَكَّن الدولة السعودية الثانية من النهوض سريعاً بعد سقوط الدولة السعودية الأولى.. ولماذا تكرر ذات المشهد بعد انهيار الدولة السعودية الثانية وقيام الدولة السعودية الثالثة؟ في ظاهرة تعد خارج منطق التاريخ.
6 - مؤرِّخو الدولة السعودية الأولى فسروا قبول القبائل بقيادة الإمام محمد بن سعود لهم بتحكيم الدين فيهم.. وفسروا تجاوز الحاضرة والبادية الخلافات المستعرة بينهم بالاستقرار الذي وفرته الدولة السعودية لهم.. وفسروا سرعة قيام الدولة السعودية بعد كل سقوط بالعدل الذي وفره أئمة آل سعود للجميع.