يشتهر الشعب السعودي بسمعتهم العالمية في رياضات الفروسية، فالمملكة تضم العديد من الإسطبلات العالمية التي تضم أعداداً كبيرة من الخيول العربية التي تشتهر بذكائها وقوة تحمُّلها وألفتها للبشر.
في بداية شهر أكتوبر 2021م أدرجت الفروسية السعودية (رياضة الأجداد) ضمن مستوى التصنيف الثاني عالمياً، في إنجاز جديد للدعم غير المحدود لهذه الرياضة من قيادة المملكة العربية السعودية، لتكون واحدة من أهم السباقات على الساحة العالمية.
وكذلك تم تصنيف كأس السعودية للفروسية دولياً من ضمن سباقات الفئة الأولى G1. وتصنيف الأشواط المصاحبة في يوم الأمسية (دولياً)، وهي:
كأس نيوم على العشب G3 ودربي السعودية على الرمل G3، وسباق1351 للسرعة على العشب G3، وسباق الرياض للسرعة على الرمل G3، وسباق البحر الأحمر على العشب G3.
وجاء هذا التصنيف العالمي ضمن الرؤية والإستراتيجية التطويرية التي يسير عليها مجلس إدارة هيئة الفروسية، ومجلس إدارة نادي سباقات الخيل؛ للارتقاء بمستوى السباقات، وصولاً للمستوى الأول، بحسب تصنيف المنظمة العالمية لسباقات الخيل.
وبذلك تم وضع سباقات الخيل في السعودية ضمن مصاف أفضل أندية الدول عالمياً في هذا المجال.
سباقات القدرة والتحمل عند العرب
اعتاد العرب من قديم الزمان الخفة والحركة والنشاط، ولم يتعودوا الجمود والكسل والخمول، وعندما جاء الإسلام ضرب المسلمون في الأرض مجاهدين، فإذا انصرفوا من الجهاد، قضوا معظم وقتهم في العبادة، وتعلم أحكام الدين وتعليمها.
وإلى جانب ذلك لم يحرموا أنفسهم من التسلية، فمارسوا بعضاً من أنواعها التي تروح عن القلوب، وتريح النفوس. وقد كان من أنواع هذه التسلية سباق الخيل، فللخيل قصه طويلة مع العربي في كل أحواله الحياتية في سعيه وكده في طلب الرزق والارتحال والحرب والتسلية.
فبين الفرس والإنسان العربي تاريخ طويل من الصحبة والتواشج والطريق المشترك المفعم بالأداء المبدع. ففي لحظات الشدة والمحن وأوقات اليأس والخوف كانت صهوة الفرس الملاذ والمنجاة. وفي لحظات البهجة والفرح وأوقات الشوق والرجاء كانت محمل الفتى إلى السعادة يدركها أو يعرب عنها. يرقص إذا طرب صاحبه ويشكو إذا تألم في تماه عجيب يكاد أحدهما أن يكون بديلاً عن الآخر.
وكان من تمام الفتوة واكتمال الرجولة عند العرب أن يكون المرء خبيرًا بالخيل ثابتًا على ظهورها، حاذقًا بشؤونها عارفًا بما يجوز معها وبما لا يجوز حتى إذا روضها ارتاضت. وإذا دربها على حركات استجابت لها فوق ما كان يتوقع منها. وكلما كانت خبرته بها أوسع استطاع أن يدرك من مهارتها ورشاقتها ما يقوم دليلاً شاهدًا على مهارته في فنون الفروسية وركوب الخيل. فجيادها لا تدرك الجودة إلا بفضل فارس ماهر يفطن إلى نفاستها في جنسها وينتبه إلى ما ينبغي لها حتى تفصح عن أسرار الجودة فيها. إن كرام الخيل لا يسعها الإبانة عن مزاياها إلا بفضل كرام الرجال. لا يقتصدون في الإغداق عليها فلا تُقصّر في الاستجابة إلى فنون فروسيتهم. لذلك كانت مشاهد الفروسية لوحات من الفن الراقي الذي لا يقف الإبداع فيه عند حد. لوحات يدرك فيها انقياد الجواد لصاحبه درجة تمكنهما معًا من تجسيد الأداء المبدع الذي يبرز أن الفروسية إنما هي فن من الفنون. فَرسان ينطلقان جنبًا إلى جنب يكادان يسبحان سباحة في جهد رسمته معالم وجهيهما. لكن الفارسين يطمئنان فوق صهوتيهما، يتعانقان كأنهما على صعيد مطمئن.
ما أكثر اللوحات التي يرسمها الفرسان فوق صهوات الخيل وهي في أوج انطلاقها. مدادها حركات تأخذ بالأبصار وتخطف الإعجاب. وتقوم دليلاً على أن الفروسية فن، أفق الإبداع فيه ممتد إلى ما لا نهاية.
والخيل خلقت عربية، فقد وجدت أول ما وجدت في الجزيرة العربية، فهي عربية أصلاً ونسباً وموطناً. فالعرب منذ القدم فرسان كماه تجرى الفروسية في عروقهم كما الدماء في الجسم وقد خلد تاريخ العرب سير عشرات من الفرسان الذين تمثلت فيهم صفات العروبة الحقة الجياشة بالفتوة والبسالة المثيرة للفخر والإعجاب.
والعربي شغوفاً مُولعاً بجياده، فهي شريكته في همومه وأفراحه، ولهذا لا نعجب أبداً إن ازداد حبه لها، وتعلقه بكيانها، فهي أنسه ورفيق عمره في الليل والنهار. لكن العربي - من جانب آخر - كان قاسياً على مطيته، عطوفاً عليها في الوقت نفسه، وهذا يعود إلى حالته النفسية التي يعيشها، والظروف الحياتية التي يمر بها. ومع كل هذا، ففي لحظات الغضب الوجيزة، أو سويعات الألم الكثيرة، كان العربي متعوداً على تطبيق قاعدة ذهبية في رفقته الحياتية مع فرسه، وهذه القاعدة هي: «اذهب واغسل أقدام فرسك واشرب الماء بعد ذلك»، أي أن التضمير والعناية بالفرس أهم أمر ينبغي أن ينفذه الفارس، أو أن تلك الخطوة مع الفارس تأتى في المقام الأول قبل شرب الماء، وأنه ينبغي تفضيل الفرس على نفسه. فانظر مدى حرص العربي على اهتمامه بفرسه ورعاية له قبل نفسه.
ولم يكرم دين من الأديان الخيل إكرام الإسلام لها والدليل على ذلك ذكر الخيل في أكثر من موقع في القرآن الكريم كقوله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ... (الأنفال: 60) وقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران: 14), والقسم بها في سورة العاديات: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (العاديات: 1- 5) وقوله تعالي: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (النحل: 8)، والصافنات الجياد: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (ص: 31).
وازدادت مكانة الخيل في الإسلام لأنها أصبحت الجهاد عدة في سبيل الله ونشر راية الإسلام، فالخيل تقاتل ولها سهمان وللفارس سهم، فكان للفارس وفرسه ثلاثة أسهم.
وفي السنة المطهرة: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» رواه البخاري.
كما حث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على اقتناء الجياد وإكرامها, وكان الرسول أول من اقتنى الخيل في الإسلام واستخدمها في الجهاد. وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن إيذاء الخيل وعن خصائصها وجر أذنبها وأعرافها ونواصيها وكل ما من شأنه إذلالها لأن من طباع الخيل الخيلاء والزهو بالنفس ومحبة صاحبها وهو كبني البشر طبعها المرح والزعل والاكتئاب, وحث الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على تعليم أولادهم الفروسية بقوله: «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».
وكان للجياد الأصيلة أثر واضح ساعد في نشر الدين الإسلامي في صدر الإسلام فقد قامت الخيول بدور مهم في كل الحروب التي خاضها المسلمون بسرعتها في الكر والفر وقوة تحملها أثناء القتال.
ومن الجدير بالذكر أن الفتوحات الإسلامية هي التي يرجع إليها الفضل في انتشار الدماء العربية للخيول في أنحاء العالم. لذا نجد أن العرب ارتبطوا بحصانهم العربي وعنوا به لأنه قد اجتمع لهم فيه حُبَّان: حب شرعي وحب طبعي، ومن أجل ذلك احتل الحصان مكانة لديهم تفوق مكانة الولد، حتى إن الرجل كان يبيت طاويًا ويُشبِع فرسه ويؤثره على نفسه وأهله وولده.
سباق الخيل في التراث العربي
كلنا يتذكر حرب داحس والغبراء (وقعت في اليمامة بين عامي 583 - 587 ميلادية) التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان لسنوات طويلة في الجاهلية وكان سببها خلافا حول سباق جرى بين حصان يدعى داحس وفرس تدعى الغبراء يملكهما قيس بن زهير بن جذيمة العبسي وحصان الخطار وفرس تدعى الحنفاء يملكهما حذيفة بن بدر الذبياني.
وفي الإسلام روي أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يمسح فرسه بثوبه (عن ابن عرفة أن النبي صلي الله عليه وسلم مسح وجه فرسه وعينيه ومنخريه بكم قميصه ثم قال: حبيبي جبريل عاتبني في الخيل - الموطأ2/ 468-) وأنه صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل وقال: من أدخل فرسا بين فرسين - يعني وهو لا يؤمن أن يسبق- فليس بقمار، ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار (رواه ابن ماجه عن طريق أبو هريرة رضي الله عنه).
وقد سئل أنس بن مالك رضي الله عنه: هل كنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، لقد راهن - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- على فرس له يقال له سُبْحة فسَبقَ الناس، فهشّ لذلك وأعجبه (ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ص55، ج6).
وكانت أول مسابقة في الإسلام سنة ستة من الهجرة، سابق فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الخيل فسبق فرس لأبي بكر الصديق، ولما كانت إمرة عمر بن الخطاب 14-25هـ سابق الخيل، وكتب به إلى الأجناد، واعتبر سباق الخيل بذلك من أنواع اللهو البريء.
سباق الخيل في العصر الأموي
(41هـ - 132هـ)
كان سباق الخيل عند الأمويين من أهم ألوان التسلية للشعب على اختلاف طبقاته، فكان الخلفاء الأمويون يستكثرون من الخيول، ويتفننون في تضميرها، وأشهر من أولع من خلفائهم بالسباق معاوية، ثم هشام بن عبد الملك، ويقال: إن الخليفة هشام بن عبدالملك كان يمتلك الآلاف من الجياد، وأنه كان يقيم بينها سباق سنوي كما كان يقوم بخدمتها بنفسه في بعض الأحيان، يروي أن سليمان بن هشام بن عبد الملك كتب إلى والده: إن فرسي قد ضعف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بغيره. فكتب إليه والده: إن أمير المؤمنين قد فهم ما ذكرت من ضعف فرسك، وظن أن ذلك من قلة تعهدك له فقم عليه بنفسك!.
ومن الخلفاء الذين أولعوا بالخيل، وأقاموا الحلبات للسباق الوليد بن عبد الملك، فقد كان مغرماً بسباق الخيل، وجاء أخوه سليمان بعده فلم يهمل أمرها، فيذكر عنه أنه عد العدة لسباق عظيم تشترك فيه خيول الأمة، ولكنه مات قبل أن تجري هذه الحلبة. كما يروي أن أميرات البيت الأموي كن يركبن الخيل، ويتسابقن بها.
سباق الخيل في العصر العباسي
(132-656هـ)
كان سباق الخيل من الرياضات المهمة والمحببة لدى الناس في العصر العباسي فقد كان للعباسيين ميادين كبيرة يدربون فيها خيولهم وفيها يرسلونها إلى الحلبة وروى أن الخليفة هارون الرشيد كان يسابق بالخيل، وكان يجري الخيل بالرقة، ويجلس في صدر الميدان حيث تتوافد عليه الخيل فإذا كان في أوائلها سوابق من خيله كان يسر سروراً عظيماً. فكان فرس هارون الرشيد السابق يسمى الزبيد، وكان هناك أفراس أخرى للأمين، والمأمون ولسليمان بن أبي جعفر المنصور، ولعيسى بن أبي جعفر، وبذلك يمكن القول إن سباقات الخيل ذاعت وانتشر صيتها في العصر العباسي، وقد بلغ من اهتمام الناس بها في ذلك العصر أن صاحب الحصان السابق كان من حقه أن يستولي على الحصان المسبوق.
سباق الخيل في العصر الطولوني
(254-292هـ/ 868-905م)
في مصر عرفت هذه الرياضة منذ بداية العصر الإسلامي وازدهرت في العصر الطولوني، فقد كانت حلبة السباق عند الطولونيين بمثابة الأعياد لما كان يصحبها من إقامة معالم الزينة، وركوب الخيل، والعلماء، والعساكر على كثرتهم بالعدد الكامل، والأسلحة التامة، وفي هذه الحلبة كان يجلس الناس لمشاهدة السباق، كما جرت عادتهم بمثل ذلك في الاحتفال بالأعياد فإذا جاء وقت السباق أطلقت الخيل إلى غايتها، فتمر متفاوتة يقدم بعضها بعضاً حتى نهاية الشوط. وقد عَنى أحمد بن طولون بحلبات السباق، وبني مكاناً لعرض الخيل سماه: المنظر.
سباق الخيل في العصر الأخشيدي
(325 - 357هـ/ 933- 969م)
في العصر الإخشيدي لقيت رياضة سباق الخيل نفس الاهتمام بها في العصر الطولوني ففي سنة326هـ شرع الأخشيد في إجراء حلبة السباق على رسم أحمد بن طولون.
سباق الخيل في العصر الفاطمي
(357 - 567هـ/ 969- 1172م)
في العصر الفاطمي أصبحت رياضة سباق الخيل من أحب ألوان التسلية عند الخلفاء والأمراء والولاة، وكبار رجال الدولة، كما أصبح عرض الخيل جزءاً من رسوم الخلافة الفاطمية، ومما جعل الفاطميين يهتمون بالخيل ورياضتها اهتماماً بالغاً هو عنايتهم بتسجيل أنسابها وثبتوا ذلك في جرائد مثبتة بالديوان.
سباق الخيل في العصر المملوكي
(648 - 932هـ/ 1250م- 1517م)
تطورت فنون الفروسية حتى وصلت إلى قمة ذروتها في العصر المملوكي، في مصر وبلاد الشام، ويلاحظ أن المماليك كانوا فرساناً قبل كل شيء، واعتمد نظامهم بصفة أساسية على الفروسية. وقد أقام المماليك لسباق الخيل الميادين الخاصة، وكان يحضر إليه السلطان والأمراء فيجرون بالخيل، وكثيراً ما أقام السلاطين والأمراء مسابقات بين الهجن والخيل في الأماكن الفسيحة الواسعة مثل بركة الحاج أو بركة الحبش أو ميدان القبق.
سباق الخيل في العصر الحديث
واليوم تحظى رياضة الفروسية بشعبية واسعة كما أنها جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي العربي خاصة في المملكة العربية السعودية، حيث يشتهر الشعب السعودي بسمعتهم العالمية في رياضات الفروسية فالمملكة تضم العديد من الإسطبلات العالمية التي تضم أعداداً كبيرة من الخيول العربية التي تشتهر بذكائها وقوة تحمُّلها وألفتها للبشر، كما أنها مُناسبة لسباقات القدرة الطويلة ويحتوي برنامج القدرة على أكثر من سباق يقام على ميادين القدرة الرئيسية في المملكة العربية السعودية سنوياً.