يوسف العوفي
إن ما يمارسه بعض العامة والمتمصدرين من تفيهق في تأويل السياسات والمتغيِّرات، واستسهال قراءة المشاهد والأحداث، وتحليل النوايا، وتضخيم البقايا، هو أحد أهم محفزات الفوضى الخلاقة التي ربما تخلص بنا إلى نزاع فكري وعقدي عميق جداً، وصدع اجتماعي سيصعب رأبُه!
والدور الحقيقي والفعّال للعامة في مثل هذه الأزمات والمدلهمات، وفي متغيِّرات الأحوال والأزمان، هو أن ينشغل كل فرد فيما هو تحت يده وتخصصه وما هو مهمته وصميم عمله، وأن يعي أنه ينفع ويبني بلده وأمته ويصون مجتمعه عبر منجزه لا تفيهقه وانشغاله بما كُفي شره وهمه، وما هو ليس من شأنه.
وما إشغال العامة بأمور السياسة وما سواها إلا ربما ضرب عدائي أممي من ضروب الإلهاء والتثبيط، وإغراق الشعوب بالتوافه والتنبؤات عن التنمية وتحقيق المنجز، فكم موظف وعامل استوقفته وعطلته مناقشاتُ السياسة أو بعض القضايا السائبة في أثناء عمله ليعطل ويؤخر منظومة كاملة دون أن يشعر؟! وكم من موظف وعامل راح يجتهد في المعرفة وتجميع المعلومات في موضوع ليس من اختصاصه في سبيل انتصاره لرأيه ووجهة نظره، بينما يجهل كثيراً من المعرفة في مجال عمله ولب وظيفته.
وهذا لا يعني أن تتجاهل وتَجْهَل أو أن لا تنافح عن وطنك والحق، أو أن لا تشارك في مواضيع مجتمعك وحوادثه ومتغيراته لكن بقدر لايلهيك، ولا يغتال الأمل فيك، ولا تظلم فيه نفسك، ولا تتجاوز فيه دورك، ومستوعبات قدراتك، وأصيل مهامك، فإنما الأمم تبدع وتتطور وتنهض شعوبُها باستيعاب قدراتها واحترام تخصصاتها وعدم التعدي على مواقيت العمل والإنجاز.