أ.د.عثمان بن صالح العامر
مما لا شك فيه أن للماضي أو «التاريخ» في حياتنا اليوم أهمية عظيمة، ذلك أن من يفهم التاريخ ويعرف أحداث ماضينا يكون أقدر على صياغة حاضرنا بكل أبعاده وبجميع مفاصله، ليس هذا فحسب بل يمكنه سبر أغوار الماضي صناعة المستقبل، لأن اليوم -كما قالوا- هو وليد الأمس، وجنين الغد، والمستقبل أياً كان المجال الذي نتحدث عنه وفيه يكاد يكون ملكاً لمن أدرك الماضي وفهم دلالاته وعبره، ووقف على السنن التي تحكم سيره، وتوجه أحداثه ووقائعه. ولا يجادل عاقل في أن تاريخ أي شعب من الشعوب يؤثر في بناء مستقبل الوطن كما يؤثر في حاضره وواقعه المعاش، فهو يشكل للأوطان قوة ارتباط، كما أنه مصدر وعي ويقظة.
إن - المجتمعات - لا تشعر بذاتها الثقافية وبشخصيتها الحضارية على الوجه الصحيح إلا إذا كان لها تاريخ ثقافي مجيد، وعمق حضاري خالد، يقول «ابن خلدون» في مقدمته: (...التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا...).
ويقول «ابن الأثير» - رحمه الله- في معرض رده على من يحاول إنكار أهمية التاريخ ودوره الثقافي والحضاري والتنموي فيقول: (...ولقد رأيت جماعة ممن يدّعي المعرفة والدراية، ويظن بنفسه التبحر والعلم والرواية، يحتقر التواريخ ويزدريها، ويعرض عنها ويلغيها، ظناً منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار، وهذه حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره... ومن رزقه الله طبعاً سليماً وهداه صراطاً مستقيماً علم أن فوائدها كثيرة، ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة).
لقد سطر قادة بلادنا المملكة العربية السعودية سجلاً حافلاً بالأمجاد وصفحات مليئة بالمآثر وحق هذا وذاك أن ينغرس في ذهنية الجيل ليس مجرد دروس عابرة ولكن مكوناً أساساً في الشخصية السعودية، ومرتكزاً مهماً في بنائنا الحضاري ومقوماً رئيس لتنميتنا المستدامة التي بها نصنع الحاضر ونستشرف الغد وفق رؤية سعودية واعدة 2030 صيغت لنكون في مصاف دول العالم الأول رغم كل التحديات (الطبيعي منها والمفتعل)، وهذا الهدف العزيز تقع مسئولية تحقيقه على عاتق مؤسسة التنشئة الاجتماعية جميعا بلا استثناء فالوطن قادته ومبادئه وقيمه وأمنه ومستقبله وإنسانه أعز ما نملك، ومن أجل هذه المنظومة الوطنية الغالية لدى كل مواطن مخلص يجب أن تتكاتف الجهود، وتبذل الطاقات وتتحفز الهمم ونتذكر في يوم الوطن ماذا قدم الماضون ونحن على أثرهم سائرون وخلف خطاهم متبعون، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.