منصور ماجد الذيابي
تزامناً مع تكبّدها خسائر فادحة على جبهات الحرب مع أوكرانيا, حذّرت روسيا قبل أيّام من اندلاع حربٍ عالمية ثالثة إذا ما واصلت الدول الغربية الدّعم اللوجستي لأوكرانيا واستمرّت بتزويد الجيش الأوكراني بالموارد والمعدّات العسكرية ذات التأثير الكبير في قلب موازين القوة لصالح القوات الأوكرانية التي تقدّمت مؤخراً على جبهة خاركيف شمال شرق البلاد واستعادت وبسطت سيطرتها على مناطق واسعة تقدّر مساحتها بأكثر من 4000 كيلو متر مربع خلال الهجوم المُضاد للقوات الأوكرانية في محيط خاركيف وبالقرب من خط الحدود مع روسيا بعد أن قامت روسيا بنقل وحدات عسكرية من الجبهة الشرقية باتجاه منطقة خيرسون جنوبي البلاد والتي تعتبرها روسيا أكثر أهمية من خاركيف لقربها من جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا قبل سنوات في أعقاب المظاهرات الدموية المطالبة بانفصال الجزيرة عن أوكرانيا عام 2014 كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «نُذر الحرب بين القطبين المتنافسين» والذي أشرت فيه إلى أنه في حال فشلت الجهود الدبلوماسية لاحتواء الأزمة السياسية. فإن الحرب حينئذ لن تكون بين روسيا وأوكرانيا وحدها وإنما ستشمل حلف شمال الأطلسي كذلك وهو ما حدث بالفعل وإن لم تتدخل الدول الغربية عسكريا في النزاع إلا أنها تشارك في هذه الحرب من خلال تزويد حليفتها أوكرانيا بكل ما تحتاجه من الأسلحة والمعدّات العسكرية ذات التأثير القوي في مقاومة هجوم ثاني أقوى الجيوش في العالم.
جاء هذا التقدّم للجيش الأوكراني نتيجة لتطبيق أوكرانيا تكتيكات عسكرية لشمال حلف الأطلسي ما جعل القوات الروسية تنسحب من أرض المعركة وتتكبّد خسائر فادحة كما قال الكرملين مؤخراً عندما اعترف بحدوث انتكاسة كبيرة لقوّاته العسكرية في القتال الدائر بين القوّات الروسية والقوات الأوكرانية التي كانت أعادت تنظيم صفوفها الأمامية وتبنّت خطة عسكرية باغتت بها الوحدات الروسية وكبّدتها خسائر كبيرة بالقرب من منطقة بيلغرود الحدودية الروسية, ثم رفعت العلم الأوكراني على مناطق كانت روسيا استولت عليها بالقرب من الحدود الشرقية بين الدولتين خلال معارك دامت لأشهر وأسفرت عن مقتل 85 ألف أوكراني في ماريوبل وحدها.
توحي لنا هذه الانتصارات الأخيرة للجيش الأوكراني بأن دول التحالف الغربية لا زالت عازمة على دحر القوات الروسية بل وهزيمتها عسكريا في أرض المعركة إضافة إلى أضعاف اقتصادها من ناحية أخرى بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية التي واجهتها روسيا بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا الشرقية والغربية ما أدّى إلى حدوث أزمة غاز تُهدّد كل دول أوروبا التي تستورد نحو 45 % من احتياجاتها للطاقة من روسيا الاتحادية وحدها وبالتالي فان فصل الشتاء القريب سيكون استثنائيا على غير المعتاد في السنوات الماضية لا سيما بعد ارتفاع فواتير الطاقة في أوروبا لمستويات قياسية سترهق كاهل المواطن الأوروبي وتجعله يلجأ للفحم كملاذ أخير لتجنّب برودة الطقس وفاتورة أسعار الطاقة المرتفعة نتيجة قطع روسيا إمداداتها من الغاز الذي تعتمد عليه دول أوروبا كوقود لأجهزة التدفئة في فصل الشتاء.
من هنا نلاحظ أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ليست حربا عسكرية فحسب وإنما أيضا حرب اقتصادية يميل ميزان القوة فيها لصالح روسيا التي لم تكتف بقطع إمدادات الغاز فقط وإنما لجأت كذلك إلى وقف وتعطيل صادرات حبوب القمح من موانئ أوكرانيا كما ذكرت في مقال سابق بعنوان «صادرات الحبوب وتهديد الشعوب», وبالتالي فلا مجال أمام الدول التي تعتمد على القمح الأوكراني إلا بتخفيف قيود التعاملات التجارية مع روسيا مقابل تمرير شحنات القمح لموانئها ولو بعد حين.
إن استمرار هذه الحرب الاقتصادية وإطالة أمد العمليات العسكرية سيكون له تداعيات خطيرة على جميع سكان كوكب الأرض من حيث تلوث الهواء بالغازات السّامة إذا ما تطورت وسائل الحرب وانتقلت من حالة الحرب التقليدية إلى حالة الحرب النووية لا سيما وأن روسيا ذكرت قبل أيام بأنها لم تعلن بعد التعبئة العامة في إشارة إلى إمكانية استخدام السلاح النووي وتدمير محطات الطاقة النووية في أوكرانيا ما يُنذر بوقوع «هيروشيما» جديدة في القرن الحادي والعشرين.
ولذلك ومن أجل تفادي وقوع حرب نووية عالمية تعيد العالم إلى حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى, فان على الأمم المتحدة العمل على ايجاد حل سياسي تتوافق عليه الأطراف المتصارعة وتتوقف بموجبه الحرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الذي يدفع أوكرانيا باتجاه تقديم المزيد من التضحيات أو الانتحار أمام ثاني أقوى جيش في العالم بعد الجيش الأمريكي, ذلك أن روسيا اليوم ليست كما الاتحاد السوفيتي خلال حقبة ستالين ولينين أو بريجنيف وميخائيل غورباتشوف اللذان سقطا وسقطت معهما طموحات الامبراطورية السوفيتية وتفككت إلى جمهوريات صغيرة بعد حرب النجوم التي ساهمت في تدهور الأوضاع الاقتصادية السوفيتية حتى ضاق المواطن السوفيتي ذرعا بالحالة المعيشية ولم يعد قادرا على تأمين قوت يومه لطالما اتجه الساسة السوفييت آنذاك إلى رصد واعتماد كل ميزانية الدولة لصالح الترسانة العسكرية ومجاراة الولايات المتحدة في حرب النجوم حتى أدّت في النهاية إلى سقوط الدّب الروسي متأثراً بجراحه وآلامه.