سهوب بغدادي
تقاس قوة الدول ومدى تقدمها من خلال مستوى كل من السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد, فالعلاقة طردية بين المعيارين السياسي والاقتصادي، فبازدهار الاقتصاد تزداد قوة السياسة والعكس صحيح، كما توجد نواحٍ أخرى مرتبطة بما سبق ذكره, من أهمها النواحي العسكرية والأمنية وما إلى ذلك من الأمور اللازمة لتجعل دولة ما بين مصاف الدول المتقدمة، كما للمجال التقني والمعلوماتي أهمية لا تقل عن تلك الخاصة بالمعايير الأخرى في عصرنا الحديث، في هذا السياق، شهدنا النقلة النوعية والتبدل في أحوال البلاد والعباد أثناء وما بعد أزمة كورونا، فصعدت دول للمشهد السياسي ومنها المملكة العربية السعودية ولله الحمد، وانهارت اقتصادات دول، وتكابد دول أخرى حتى الساعة، على سبيل المثال دول الاتحاد الأوروبي، بسبب تداعيات الأزمة الصحية العالمية ثم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي نتج عنها انقطاع الغاز الروسي عن دول اليورو التي فرضت عقوبات صارمة على روسيا.
قديماً كنا نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تشكل أحد أقطاب العالم والقوى العظمى، ولكن توالي الأزمات الاقتصادية وما نتج عنها من تذبذب في النواحي الأمنية بشتى نطاقاتها كالأمن الغذائي والطبي والصحي، وصولًا إلى الأمن السيبراني في أحيان كثيرة، إن أمريكا حاليًّا تغازل تارةً وتندد تارةً أخرى، ليس لضعف السياسة قلة الجدوى للإدارة الحالية بل لأن العالم يتغير ومراكز الثقل تتبدل مع تغير الأيام، كما قالها الدكتور مصطفى محمود رحمه الله في كتابه (على حافة الانتحار) إن الصين ستصبح قوة اقتصادية عظيمة، وستتجه أمريكا نحوها، كما قال الكثير والكثير من المعلومات التي استشرف فيها ما ستصبح عليه السياسة بعد أكثر من 24 عامًا من نشر الكتاب، ومنها التعريج على رواية (آيات شيطانية) للكاتب سلمان رشدي الذي تعرض للطعن في نيويورك مؤخرًا، وعدد من المواضيع ذات الصلة حول روسيا إسرائيل ووضع الشرق الأوسط، بغض النظر عن الكلام النظري من وجهة نظر فردية.
إن ما نراه اليوم من تقهقر الدول التي كانت في فترات وحقب مديدة في مقدمة الدول صاحبة القرار، يجعلنا نعيد التفكير في مواطن الاستثمار في شتى المجالات والأطر السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التقليدية والعامة والناعمة والثقافية، وما إلى ذلك، فمن يتابع المشهد السياسي والتحركات الأخيرة يجد ذلك جليًّا، حيث قامت روسيا بتوجيه دعوة لإيران للانضمام إلى المجموعة الأمنية التي تقودها كلٌّ من روسيا والصين مسبقًا، وفي هذا النطاق، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف لا تحسد عليه، إنه موقف صعب باعتبار أن تراكب ثلاث قوى نووية لايستهان بها «روسيا و الصين وإيران» في مجموعة واحدة، من شأنه بث الزعزعة في محيطها ومحيط العالم أجمع، وتعي أمريكا جيدًا أن كلًّا من روسيا والصين تكنان لها الضغائن، وأن الولايات المتحدة تعي حجم الخطر والتهديد من أن اجتماع روسيا والصين وإيران سيهدد أمن الشرق الأوسط، حسبما جاء في تصريحات كيث كيلوغ، مستشار الأمن القومي سابقًا في فترة رئاسة دونالد ترمب، فيما نعي تمامًا أن الولايات المتحدة تحاول دفع الشرق الأوسط ضمن تيارها ضد التحالف النووي والاقتصادي والسياسي الجديد ولا أعتقد أن تشدق الإدارة الامريكية الحالية واقعيًّا ويواكب المآلات الحالية, ربما في وقت سابق كنا سنجد معطيات أخرى تدعم موقفها العامودي ولكن اليوم خلقت قوى متوازية بل في طور تخطي السباق في المضمار السياسي والاقتصادي، وحمداً لله أن المملكة أوجدت رؤية تواكب هذا التغيير، أعيد ماقاله د. مصطفى محمود إن الأيام دول والعزة تبقى لله الواحد القهار.