د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
انطلقت أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية تحت شعار الذكاء الاصطناعي لخير البشرية في 2022/9/13، حيث كانت النسخة الأولى التي عقدت بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي عام 2020 بسبب جائحة كورونا، والقمة الحالية ليست مجرد انتقال من قمة إلى أخرى، فقد استغرق العالم 200 عام لاكتشاف أول لقاح لمرض الجدري حتى قضى عليه، بينما جرى تقليل هذه الفترة الطويلة إلى بضعة أشهر منذ ظهور أول تسلسل جيني لكوفيد-19 وذلك بفضل تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وفي مجالات أخرى أيضاً.
وقد حضر في القمة بنسختها الثانية أكثر من 10 آلاف شخص و200 متحدث من 90 دولة يمثلون صانعي السياسات في مجال الذكاء الاصطناعي ورؤساء كبرى الشركات التقنية في العالم بمقر مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بمدينة الرياض تحت رعاية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).
أصبحت السعودية نموجاً عالمياً رائداً لاقتصادات المعرفة للاستفادة من هذا القطاع الحيوي لتحقيق مبادرات رؤية المملكة العربية السعودية2030، وفي نفس الوقت تكون السعودية نموذجاً رائداً في بناء اقتصادات المعرفة لخدمة الأجيال الحاضرة والقادمة من أجل أن يكون للبشرية مستقبل أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي، وفي نفس الوقت رسم مستقبل السعودية لبناء مجتمعات رقمية ومدن ذكية واقتصادات رقمية مزدهرة، وبشكل خاص في المجالات الحيوية في الصحة والطاقة والاقتصاد الرقمي.
وقد تبنّت شركة أرامكو لحلول الذكاء الاصطناعي في الحفر والتنقيب مما مكنها من تصدر شركات الطاقة في الحلول التي تضمن استدامة البيئة، بل أيضاً تمثل ذا لاين هدية سمو ولي العهد للبشرية في كيفية تخطيط المدن إلى الـ 150 سنة القادمة التي تمكنت من تطويع الذكاء الاصطناعي والبيانات لبناء المجتمعات المستدامة.
القدرات الكامنة للذكاء الاصطناعي حاضرة اليوم، حيث يمكن للمزارع الرأسية أن تعمل اليوم عبر أدوات الذكاء الاصطناعي إنتاج أغذية بطاقة إنتاجية تصل إلى ما يتجاوز 400 ضعف ما تنتجه المزارع التقليدية وهذا يتواءم مع السعودية كبلد صحراوي يعاني من ندرة المياه لتحقيق الأمن الغذائي وفي نفس الوقت الحفاظ على الأمن المائي.
باستضافة السعودية مثل هذه المؤتمرات تحرص على أن تكون ليس فقط في تبني بل في المشاركة في تطوير الذكاء الاصطناعي معاً، وأن تتقاسم أفضل ممارسات وخبرات وموارد والتحديات لضمان عدم تخلف أحد عن ركب الذكاء الاصطناعي بحكم أنها دولة بلاد الحرمين، وبلاد مهوى أفئدة المسلمين، فهي أيضاً مهوى أفئدة العالميين، فهي تتطلع إلى الإعلان عن العديد من المبادرات الرائدة مع شركائها العالميين للوفاء الذي أطلقته في هذه القمة الذكاء الاصطناعي لخير البشرية.
ما جعل شركة أرامكو تعلن عن إطلاق مشروع استراتيجي جديد بمسمى الممر العالمي للذكاء الاصطناعي يقوم بأربعة أدوار رئيسية: هي تأسيس مركز تميز لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي لأرامكو السعودية والجهات المهتمة في السعودية بهذه التقنية ذات الآفاق الهائلة، وتعزيز جهود تطوير منظومة الملكية الفكرية عالية التأثير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتسويق منتجات الملكية الفكرية تجارياً، ودعم جيل جديد من الشركات السعودية الناشئة المعتمدة في نشاطها على الذكاء الاصطناعي، ومشروع أرامكو الذي أطلق عليه ممر عالمي لأنه يساعد في جهود نقل المعرفة وتبادل الأفكار وتقديم الحلول بين السعودية ودول العالم، وتكون أرامكو عنصراً محفزاً لدعم مثل هذا النقل.
خصوصاً وأن القمة ترمي إلى إنشاء منصة عالمية حديثة تجمع قادة الذكاء الاصطناعي ورواده من جميع أنحاء العالم بهدف التواصل والتعاون فيما بينهم، وإحداث حركة عالمية وتحفيزها لتحويل الأفكار إلى مشاريع على أرض الواقع، كما تتضمن القمة عدداً من المبادرات وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لشراكات سعودية ودولية تسهم في النهوض باستخدامات الذكاء الاصطناعي في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة، وتحقيق تطلعاتها في الريادة العالمية من خلال الاقتصاد القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي لتحقيق نقلة سريعة للحاق بالدول المتقدمة، بل تسعى لتحقيق نموذجٍ حضاريٍّ وفريدٍ من نوعه عالميٍّ يحقق الاستدامة ومثالية العيش في تناغم مع الطبيعة بالاعتماد على التقنيات الرقمية.
ولتحقيق هذه الأهداف أعلنت الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي ( SCAI ) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، توقيع اتفاقية مع شركة سنس تايم الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم، لإنشاء شركة جديدة في السعودية بقيمة استثمارية تقدر ب776 مليون ريال لتمويل مختبر ذكاء اصطناعي متطور، وابتكار وظائف متميزة للسعوديين الموهوبين لوضع السعودية في مركز الريادة بمجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المنطقة.