د.سماح ضاوي العصيمي
لا يظهر خطاب الكراهية بنموذج صريح وواضح، حيث صراحته كفيلة بتنفير الجماهير وابتعادها عنه وأهله، فيظهر بحرص على صور مضللة فنجده بكثرة في هيئة احتجاجات ضد البنود وطنية تنموية مهمة واتهامات لا أساس لها، ورفض خطط التطوير وتشويه أهدافها ورمي الاتهامات ضد المختلف أو المعتدل وتخوين المعتدلين أصحاب الحس النزيه... ويصاحب ذلك كله الاستيلاء على نصوص تراثية وبترها عن معانيها ومضامينها الأصلية وتوظيفها لأهداف مضللة تخدم أجندات مشبوهة تكافح وعي المجتمع وتطلعه للتعايش والتنمية الفكرية والاقتصادية.
وتشكّل الأطروحات الحقيقية الواضحة والواقعية تهديد حقيقي أمام خطابات الكراهية ومصدر خوف من انكشاف هشاشتها الإنشائية العاجزة التي ما يلجأ أصحابها لمجاراتها إلى خطابات مكذوبة ومرضية لتنشيط عواطف شعبوية حماسية زائفة خاصة لدى صغار السن عوضًا عن تقديم حجج وأفكار جديرة بالبحث والنقاش، فعند التمعن في سلوك هذا الخطاب المتطرف نجده يفتقر لأدنى مقومات المروءة والأخلاق الإنسانية، بل محشي حشوًا هائلاً بالتقديس لرموزه وزعاماته من جهة وبناء هيبتهم وقيادتهم بشكل دراماتيكي لتحويل كلماتهم لأدلة ومنهج متبع ... وتحقير وتشويه وتزوير حقائق ضد الآخرين من جهة أخرى، فتكشف المتابعات الدقيقة لخطابات الكراهية والتطرف أن الوعي المجتمعي بمضامين القيم والمشتركات الإنسانية بين شعوب العالم والتشارك في فضاءات التعاون والبناء الحضاري المشترك يمثّل الضربة القاضية لأصول منهج التطرف خاصة في النطاق الرقمي، الذي يعمل فيه التطرف بجهد في محاولة منه في التأثير في توجيه فكر الجماهير ووعيها الجمعي.
إن المعركة بين الاعتدال والتطرف أياً كان نوعه هي خوض معركة إنسانية نبيلة ضد فناء الإنسان وقيمه وبنائه، ويتطلب تحقيق اجتثاث التطرف وبذور الكراهية ونباتاتها السامة استمرارية الإنتاج الإنساني تحت مظلة المشتركات الإنسانية والمبادرات الفاعلة الإبداعية التي توظّف صغار السن لصقل مواجهتهم في التعاطي مع تغيّرات هذا الخطاب وتحولاته ومتحوراته في مستقبلهم، وحتى تتمكَّن المجتمعات من الانسجام بين مكوناته المختلفة وصد محاولات تسلل أجنداتهم أو تمريرها.
وبما أننا نعيش واقعًا تقدمت فيه عجلة التعايش إلى الأمام بمبادرات تطرحها المملكة العربية السعودية بانتظام ومتابعة دقيقة في سبيل حماية الفكر وحقوق الشعوب والأجيال في عالم آمن تتبادل فيه المصالح المشتركة في خدمة بشرية واقتصادية ودينية محصله بناء رؤى متوافقة بين المكونات والأعراق والثقافات المختلفة ... في حين هو بناء حقيقي للقاح ثقافي وديني ضد انحراف العقول وخسارتها في أخاديد الظلام والرجعية والاستعباد الإنساني لإيديولوجيات تذيب الإنسانية وحضارتها الحديثة وتشوِّه ما هو تليد وعتيق.