لابدَّ أن المرء يدرك تمام الإدراك أن هناك حقيقة واضحة وضوح الشمس في وقت الظهيرة، تلك هي شمس الحضارة الغربية المزيفة التي في طريقها إلى الغروب، حيث تقتضي سنة الله في الأرض حتى يرثها عباده الصالحون... من أجل ذلك ندرك أن هناك ورثة يعدهم القدر ليرثوا البناء الذي يريد أن ينقض، ويعيدوا إقامته... كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} سورة آل عمران آية (140).
وكما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} سُورة الأنبياء آية (105).
ومن أكبر الأدلة على الإطلاق إفلاس الحضارة المعاصرة وما يتردد على الألسنة في كل مكان من المعمورة أن الأمور أصبحت تتطلب إعادة بناء الإنسان... فالإنسان يعتبر صانع الحضارة بعد الله سبحانه وتعالى.
حيث تستمد الحضارة التي صنعها الإنسان من أمور عدة قوَّة البناء والنماء ومن الجذور المتينة والأُسُس الصّلبة والمبادئ الهادفة التي تقوم عليها... وهي القيم العالية... فإذا ذهبت تلك القيم أو تلاشت أو انحطت لم يعد هناك ما يشد البنيان إلى جذوره وأساسه الصلب.
ولكن المتأمل والمتفكر لا يحتاج إلى بحث كثير حيث إن الحضارة الغربية الآخذة في الزهو والعلو في ذلك الوقت فقد بدأت في الانحطاط والانهيار والتصدع، وحملنا الكثير من أوزارها تحت ظل الديمقراطية التي ابتدعتها منذ سنوات طوال، فقد انتشر في أوساطها مبادئ الفساد بشتَّى أنواعها سواء الفساد الأخلاقي... أو التفكك الإنساني... أو الضّياع الأسري... أو الاضطراب الاقتصادي أو الاجتماعي تحت شعار الديمقراطية، حتى وصل بهم الأمر إلى تقنين الشّذوذ الجنسي واعتبروا الانحلال الخلقي حرية اجتماعيَّة وانعدمت مبادئ الغيرة ومعاني العيب في الأخلاق والسّلوك الذاتي وانتشرت الرّشوة بين طبقات المجتمع، والمقصد من ذلك الأمور البحث عن الملذات بشتى صورها. ما تحدثت عنه حول بناء الإنسان إنما يدل على صحة ما ذكرته آنفاً، فقد أدرك شباب الأمة عن ما لمسوه وشاهدوه في بلاد الغرب من تفسخ الحياة عندهم... والتنافس المحموم بين شرائح المجتمع الغربي في الحصول على المال بأي طريقة كانت، إذ هو السبيل لشراء أكبر قدر من الملذات الحسية على شتىَّ ألوانها وأنواعها.
ومن خصائص هذه اللذائذ الحسية أنها ممتدة إلى غير حد فهي لا تشبع ولا ترتوي، فالذي يملك ألفاً يريد ألفين... وهكذا. فهذا الاندفاع المسعور هو الذَّي قتل المعاني الإنسانيَّة أمثال السّطو وتهديد المصارف المالية وتنظيم العصابات وإعداد الجنود المرتزقة وفرق أصحاب المخدرات بشتىَّ أنواعها. وما دام العالم يعيش حياة طابعها القلق والجزع والخوف والهلع والاضطراب وذلك من أجل السّيطرة والنفود، فالعالم اليوم بحاجة ماسة إلى الإسلام، فهذا الدِّين القويم يحرر البشريَّة من فوضى النظريات السياسيَّة والاقتصادية، ويجمع البشريَّة كافَّة على كلمة الحق والعدل والمساواة والإخاء والحرِّيَّة، فلا تفاضل بين الأجناس والألوان، ولا الظلم ولا الطغيان ولا الفردية ولا الأنانية.
فإن ديننا الإسلامي يلغي فروق الألوان والأجناس ويقيم العدل بين البشريَّة كافَّة، ويحمي الحرِّيَّة والكرامة وينشر الأخلاق بمفهومه الشامل. فإذا كانت دول أوروبا بشكل عام قد سبقت الأمَّة الإسلامَّية في شتَّى مجالات الاختراع والصناعة والثقافة والعلوم والرياضة فالواجب علينا كأمة مسلمة أن نأخذ منها نظمها التي أوصلتها إلى قمة التّفوق والعلو. فلا ضير علينا أن نستفيد بوسائل تقدمهم، من نظم وعلم وفنِّ، ونستعين برجالهم... ونتعاون معهم، ونستفيد قدر ما نستطيع مما اكتسبوه باستخدام عقولهم. حيث إن الحضارة المعاصرة اليوم لا تفيد الإنسان، وأنها تعيش في رئة واحدة من رئتي الحضارة الحقَّة، وأن البشريَّة قاطبة تدفعها تلك الحضارة نحو الدمار الشامل، وأنها بحاجة ماسة إلى هاد يحثها إلى الطريق الصحيح ويجنبها إلى تلك النهاية المروعة والمزعجة التي تزعج الأدباء والمفكرين والساسة والعلماء والباحثين وعامَّة النَّاس على السواء. فإذا كان الإسلام هو العقيدة الإسلاميَّة الوحيدة التي تنقذ البشريَّة مما تعانيه فالواجب أن يكون الإسلام له السيادة والريادة العالمية كما كان في العصور الإسلامية الزاهرة.