الخلاصة: جواز ذلك ولو خالف شرط المتصدق بالماء.
قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة صدقة الماء).
وجاء في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر، وفي حديث آخر في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة مرفوعا: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به.
وروى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته).
ورواه الخمسة من حديث جابر مرفوعاً (العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها).
كما يستأنس بذلك أنه قول جمع من الصحابة كجابر، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وزيد بن ثابت.
ولأنه شرط بعد ما زال ملكه فلم يؤثر، كما لو شرط بعد لزوم العقد شرطاً ينافي مقتضاه.
ويمكن مناقشة ذلك: بأنه إنما أزال ملكه على هذا الشرط، لا بعد خروجه من ملكه، لكن الشرط فسد لمخالفته الحكم الشرعي.
وعلى هذا هل يقاس على ذلك كل هبة مقيدة: تصح الهبة ويبطل الشرط-كما هو المذهب عند الحنابلة-، مع أن الأصل أن المالك لا يخرج من ملكه إلا ما أذن فيه.
فالجواب: نعم يبطل الشرط وتصح الهبة، لأن الإذن الشرعي مقدم على الإذن الشخصي.
ولا يشكل على ذلك العارية، لأنها ليست هبة وإنما هي: إباحة نفع، لا تمليك لرقبة الشيء وعينه.
وبناء على ما تقدم فإن من تصدق بالماء في المساجد وشرط: أن لا يأخذ الآخذ أكثر من عبوة، فشرطه غير لازم، ويجوز للآخذ أخذ أكثر من عبوة، وأما إذا شرط غير المتصدق ذلك- كإمام المسجد أو القائم عليه- فلا عبرة بشرطه، لأنه من شرط من ليس له الشرط، فوجوده كعدمه، والله أعلم.
** **
- د. محمد بن سعد الهليل العصيمي - كلية الشريعة - جامعة أم القرى.