الإبادة الجماعية التي تعرّض لها السكان الأصليون للولايات المتحدة الأمريكية تناقشها رواية «حزن الأرض» التي صدرت في حوالي (176) صفحة. هي دعوة من الكاتب، المصاب بحُمى التفكير في مأساة وآلام فئة من البشر، الى أن يتقاسم القارئ معه ومع الهنود الحمر أوجاعهم، وأن يمنحه ويمنحهم تعاطفه كما يقول الشاعر:
إذا لم تكن لي آسيا أو مؤاسيا … فلا تك لوّاما وذرني وما بيا
تُعد رواية حزن الأرض محاولة من إريك فويار لرسم صورة للأرض الحزينة التي تجعل القارئ يبكي لبكاء أرض الهنود الحمر الحزينة ويتألَم لتألِمهم. فإذا كان الهنود الحمر لا بواكي لهم فإن إريك فويار قد نسَج لهم من وحيِ الحقيقة عبْر صفحات رواية حزن الأرض بواكي كما جاء على لسان الشاعر العربي الذي يُواسي نفسه بوجود من يبكي عليه:
تَذَّكرتُ مَن بكي عليَّ فلم أَجد ... سوى السَّيفِ والرمح الرُدينيِّ باكيا
ولكن بأَكناف السُمينَةِ نسوةٌ ... عزيزُ عيهنَّ العشية ما بيا
يُذكِّرنا إريك فويار، الذي استخدم في روايته أساليب كل من الفنان والمؤرِّخ، بما جرى للهنود الحمر، السّكان الأصليون لأمريكا، وكأن لسان حال المؤِّلف، وهو يتناول هذا الأمر الجلل، يَحكي عن فِئام من البشر الحقيقيين الذين لم تعد لهم أرض تقلُّهم ولا سماء تظلهم. سيجد القارئ في هذه الرواية أن رعاة البقر الأمريكيين لم يكتفوا بقتل الهنود الحمر مرَّة واحدة فقط ولكنهم استعبدوهم أشد استعباد وتلذّذوا بقهرهم وإذلالهم ومن ثمَّ قتلهم مرَّات ومرَّات عديدة أثناء عرض تلك العروض المسرحية «عروض الغرب المتوحش» التي طافت ربوع أمريكا وأوروبا.
ولأن الأحداث التاريخية في مجملها قابلة لأن تكون مسرودة، فإن سردية رواية حزن الأرض، التي باتت أرضاً حزينة، تُذكِّر القارئ بالانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تعرَّض لها الهنود الحمر، السّكان الأصليون لأمريكا، والتي انتهت بإبادتهم عن بكرة أبيهم وتهجير من بقي على قيد الحياة منهم تهجيراً قسرياً بهدف السيطرة على الأوطان والاستيلاء على الأراضي بقوة السلاح. استوعب إريك فويار تلك الأحداث التاريخية ذات الطّابع المأساويّ وأعاد كتابة نصه السردي التأريخي ضمن فضاء يتَّسع ليشمل الذاكرة التاريخية التي دفعت كاتبنا الى القول إن إبادة الهنود الحمر تعتبر واحدة من أبشع حملات الإبادة في تاريخ الإنسانية.
ها هي الأرض التي ارتوت بدموع الهنود الحمر وبدمائهم صارت أرضاً حزينة لحزنهم، إنها تسمع صهيل خيولهم وصرخات فرسانهم وأحزان زعيمهم سيتنج بول الذي يردِّد مع الشاعر كلماته الحزينة:
لا شيء في بيتي سوى صمت الليالي
والأماني غائمات في البصر
وهناك في الركن البعيد لفافة
فيها دعاء من أبي
تعويذة من قلب أمي لم يباركها القدر
دعواتها كانت بطول العمر والزمن العنيد المنتصر
أنا ما حزنت على سنين العمر طال العمر عندي.. أم قصر
لكن أحزاني على الوطن الجريح
وصرخة الحلم البريء المنكسر
رواية حزن الأرض محاولة من الكاتب لجعل القارئ يشعر بالآخرين وآلامهم، ولأن الموت يعدّ إحدى رسل الحزن، فقد أرسل الحزن رسله من ذوي البشرة البيضاء ليختطف أصحاب الأرض من فوقها أحياء الى أسفل منها أمواتاً في عملية إبادة جماعية لهؤلاء السكان الأصليين. سيستمر الرجل الأبيض يمارس العنف الدموي الممنهج ليس فقط ضد الهنود الحمر كأشخاص، ولكن ضد حضارتهم وثقافتهم وتاريخهم وقبائلهم ولغاتهم. لقد ساهم البعد المأساوي لرواية حزن الأرض في تشكيل وعيّ القارئ بأن مبدأ ميكافللي في أن غاية الأمريكيين في احتلال الأرض قد برّرت وسيلتهم في إبادة الهنود الحمر قد حقق مراده وأثمر وأينع، إلا أن المقارنة بين رمزية موت بطليّ روايتنا (سيتنج بول زعيم الهنود الحمر، وبافالو بيل كودي الأمريكي متعهِّد عروض الغرب المتوحش) تجعل القارئ النموذجي يعيد التفكير في مَقصِد إريك فويار من رمزية موت أحدهما في ساحة الوغى بين أهله وخلانه ورمزية الآخر وهو يبكي صامتا لا يشاركه بكاءه إلا صمت الجدران، ويواجه الموت وحيداً على فراشه بلا صحب له ولا خلان.
** **
- أيمن منير