الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
بعد جهد مضني تجاوز العقد من الزمان طبع كتاب المعلقات العشر للأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، رائد تحقيق الشعر العربي، وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1423هـ، وصدرت الطبعة الثانية من الكتاب هذا العام 1443هـ في مجلدين، تجاوز عدد صفحاتهما الألف صفحة.
وما يميز هذا الشرح أنه سهل ممتنع، فأسلوبه عصري في الشرح وفي إيصال المعلومة إلى الملتقي بأيسر طريقة، وهذا هو جوهر البيان والفصاحة؛ كما قال أبي هلال العسكري بأن الفصاحة والبيان هما: «الإبانة عن المعنى والإظهار له»، وهذا ما يمتاز به هذا الكتاب.
وينفرد هذا الكتاب بأن مؤلف جمع بين العلوم الثلاثة: التاريخ، والجغرافيا، والأدب؛ فوقف على كل موضع ورد في قصائد المعلقات، وهو آخر شرح وافٍ للمعلقات العشر بأسلوب حديث عصري، حقق فيه المؤلف شعر المعلقات، وفنَّد الأخطاء، وأورد الأبيات الشعرية في كل شرح من الشروح السابقة؛ ليبين الأصح والمتفق عليه منها.
ويساند هذا الشرح كتاب آخر عن شعراء المعلقات العشر، ويختص بالشعراء والترجمة لهم وتحقيق أخبارهم.
وبمناسبة صدور الطبعة الثانية من هذا الكتاب المهم والذي يكشف جانبًا مهما من تاريخ وتراث هذا الوطن، ولشعراء المعلقات الأوائل الذين عاشوا قبل أكثر من 1500 سنة على أرض هذا الوطن المعطاء، التقت (الجزيرة الثقافية) عددًا من العلماء والأكاديميين والمثقفين للحديث عن أهمية هذا الكتاب، وعن هذا المشروع الكبير الذي عَمل عليه الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل، رائد تحقيق الشعر العربي، وكانت البداية مع العلامة الشيخ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري الذي تحدث للجزيرة الثقافية عن كتاب (المعلقات العشر)، بقوله: «اطلعت على الجهد المسدد الذي بذله الأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، في المعلقات العشر التي عُني بشرحها، واستوفَى تعليلات التسمية من بطون الأسفار، وشرْحُ الدكتور الـمُعلَّقاتِ جاء في سفرين كبيرين، وهو عمل نفيس جداً في تخريج الأبيات، والشرح مُقْتَصِد، فعمله لا يزال جُهداً فردياً جباراً مُوَفَّقاً، وقيمة الكتاب بجزأيه أنه تَقَصٍّ فردي شاق لم يُسبق إليه خصوصًا عمله الميداني في تحديد المواضع الواردة في المعلقات والوقوف عليها، وهو امتداد لجهوده في جمع شعر القبائل فقد كانت في غاية التوفيق بجُهْد لا يقدر عليه إلا المثابرون من أحلاس الطروس.
وقد أسعفني الوقت وقرأت كتبًا كثيرة من أعمال الأستاذ الدكتور: عبد العزيز بن محمد الفيصل ؛ فهالني ما فيها من جُهْدٍ ومثابرة على البحث في التراث الأدبي الشعري، وقد قَلَّ اليوم مَن يصمد لهذه المثابرة.
وإنني لأهنئه على هذا الجدِّ والجُهد؛ وإني لأرجو أن لا يتوقَّف ولو حبواً؛ فإن طالب العلم وإن شاخ في كل شيء لا تشيخ موهبته العلمية، ولا يتوقف جهده العلمي ولو إملاءً.. وكلمتي هذه بلا ريب تكرمة للدكتور عبدالعزيز، وهو أهل لذلك وفقه الله».
ومن جهة أخرى تحدث للجزيرة الثقافية الأستاذ الدكتور: محمد بن صالح الشنطي، الأكاديمي والناقد المعروف، مبينًا أهمية كتاب المعلقات العشر، والجهد الكبير الذي بذله مؤلفه فيه، بقوله: « الريادة عمل نهضوي له أهميته المرموقة في مجال العلوم والآداب، والأستاذ الدكتور عبد العزيز الفيصل من الروّاد الذين أصّلوا لدواوين القبائل العربية الشعرية، وجهوده في هذا المجال متعددة الوجوه والاتجاهات تحقيقاً وتدريساً وإشرافاً علمياً وتخطيطاً وتوجيهاً، وليس ذلك بالعمل اليسير، فقد كان صاحب مشروع علمي متميّز استطاع أن يحتلّ مكان الصدارة فيما ضمته المكتبة العربية في هذا المجال، وقد كان له اليد الطولى في إثراء خزانة الشعر العربي بالمدوّنات التي ضمت مجمل ما أنتجته قرائح شعراء القبائل العربية التي لم تقتصر على العصر الجاهلي بل امتدت زمنا ليس باليسير في عصور تالية، ومن تلك المدونات: شعراء بني قشير وشعرهم، وشعراء بني عقيل وشعرهم، و شعراء بني عبس وشعرهم، وقد نالت قبيلة بني قشير قسطا وافر من جهده في هذا المجال فجمع وحقق ديوان الصمة بن عبد الله القشيري، وجمع شعر القبائل وتوفّر على مجموعة من القضايا الأدبية و النقدية، ومنها مصادر الأدب عند ابن خلدون والكثير مما تضيق عنه المساحة المتاحة، فبوركت جهوده و جعلها الله في ميزان حسناته».
وقد بين للجزيرة الثقافية الدكتور: إبراهيم بن سعد القحطاني، رئيس قسم الأدب والبلاغة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المنهجية العليمة المنفردة التي يتمتع بها د. عبدالعزيز الفيصل، في تحقيقه للشعر العربي القديم، وفي شرحه لها، والذي يتجلى في كتابه شرح المعلقات بقوله: «أسهمت الدراسات الأكاديمية التي عمل عليها رائد تحقيق الشعر العربي القديم سعادة أ.د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل في استقطاب الباحثين نحو جمع ودراسة وتحقيق الشعر العربي القديم، وبخاصة شعر القبائل، فكان لذلك الأثر البالغ في تبوأ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المرتبة الأولى من بين الجامعات العربية في هذا الاتجاه من الدراسات البحثية .
وكان للمنهجية العلمية الرصينة التي عمل بموجبها - سعادته - الدور البارز في معايشة النماذج العليا من النصوص القديمة، ومحاولة سبر أغوارها من خلال استقصاء حقائقها الكامنة وراء دلالات النص، ومراد الشاعر منها، يدفع - سعادته - إلى ذلك روح الشغف بالرحلة التي اختطها نمطا من أنماط حياته، وتمثلات الأمكنة في وجدانه ، وذلك عن طريق البحث الميداني، وكان علامة فارقة في توجيه الباحثين نحو قراءة جديدة للإرث الشعري القديم».
وكما تحدث للجزيرة الثقافية الأستاذ الدكتور: عبدالله ثقفان، الأكاديمي والأديب المعروف، الذي تحدث عن قيمة كتاب (شرح المعلقات العشر)، عن الإضافة الكبير التي مثلها هذا الكتاب للمكتبة العربية، بقوله: « المعلقات لا يُدرِّسها ولا يَدرسها إلاّ خبير عالم بالأدب والآثار والتأريخ والجغرافيا، وهذه كلها متوافرة في شخصية الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الفيصل، فقد عني بالأدب القديم: تعليماً وتدريساً وتأليفاً طوال حياته الأكاديمية.
هذه العناية جعلته الخبير بكل ما تعني كلمة (خبير)، حيث شعر بحاجة المكتبة العربية لمؤلَّف حول المعلقات يوفِّر لهم ما كان مبثوثاً في الكتب والشروحات التي دارت حول هذا الموضوع، فاتجه لتأليف سفره النفيس الذي هو أشبه برحلة فكرية ميدانية تأريخية جغرافية والمكون من مجلدين، حويا أكثر من ألف صفحة من القطع المتوسط، حيث عرض فيهما:
تعريف المعلقات، وجمعها، وكتابتها، أسمائها، وعددها وترتيبها وتعيين قصائدها وأسماء أصحابها وشروحها، وكل ذلك من خلال عرض مبسط جعله يتمايز عن غيره بالوضوح والشرح الوافي، والتعليقات العلمية الجادة، مع إفادته من مصادره ومراجعه..
ومن هنا، فإنني أقول: إنه العالم الذي سخر حياته لخدمة العلم إلى جانب تواضعه وإخلاصه.
وعن منهج الكتاب والطريقة التي اتخذها المؤلف في تأليفه، فيقول الأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل: «المعلقات السبع، والمعلقات العشر، شرحت، ووضحت معانيها، منذ أن قيلت في الجاهلية إلى العـصـر الحـديث الذي نعيش فيه، ففي الجاهلية يأتي الشرح من فمراو لأبياتها، فينقل عنه في مجلس، أو على ماء من مياه العرب، وفي عصر صدر الإسلام اهتم العرب بشرح الشعر، فتداولوه فيما بينهم،كما روي عن عائشة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم، وفي النصف الثاني من القرن الأول كثر الاهتمام بشرح المعلقات، لما فيه من توضيح لما ورد في كتاب الله، ولما بدأ القرن الثاني وبرزت المدن الإسلامية الكبرى مثل دمشق والكوفة والبصرة أصبح شرح المعلقات متداولاً في حلقات المساجد، وعلى ألسنة الرواة، ولم يبرز شرح المعلقات في كتاب مستقل إلا في آخـر القرن الثالث الهجري، فـمـوضـوع هذا الكتاب شرح المعلقات العشر، فهذه المعلقات شرحها من جاء قبلي، وها أنا أشرحها، وسوف يشرحها من سيأتي بعـدي، فهي من تراث العرب الخالد، الذي لا يمل الخدمة، ولا ينتهي فيه الباحث إلى نهاية. وشروح المعلقات العشر زاد للعقل، يختار منها القارئ ما يناسبه ويروق له، كما أن الأطعمة ت تعرض أصنافها فيختار منها المشترى ما يميل إليه . فأهمية الموضوع تنطلق من أصالتها لمتجددة في كل عصر، فلا يستطيع مهتم بالعربية أن يقول بعدم أهمية شرح المعلقات وخدمتها لأنها خدمت من قبل، فالموضوع مهم وبحاجة إلى الخدمة المتجددة، ومن هنا أحسست بواجبي تجاه خدمة هذه المعلقات، بالإضافة إلى الرغبة التي يبديها لي كثير من طلبة الدراسات العليا، فاتجاهي إلى خدمة هذه المعلقات منطلق من واجبي نحو تراثنا الشعري، ثم من أجل خدمة طالب العلم في أي مكان، فمن يقرأ العربية له حق علي وعلى غيري من أساتذة الجامعات، فعملي في هذا الشرح خدمة للعربية وقرائها .
وعملي في هذا الكتاب يبدأ بمدخل يلج منه القارئ إلى التعرف على المعلقات، فهو يحتوي على معنى المعلقات، وجمعها، وكتابتها،وتعليقها، وأسمائها، وعددها، وترتيبها، وتعيين قصائدها، فبعض أصحاب المعلقات أثبت لهم أكثر من قصيدة، كما يحتوي على أسماء أصحاب المعلقات، وعلى شروح المعلقات .
وبعد هذا التمهيد يأتي شرح المعلقات، ويشتمل على تعريف موسع بالشـاعـر، يـحـوي نسـبـه، ونشأته، وحـيـاته، وذكر بلاده، ونـهـايتـه،وشاعريته، ومعلقته، وديوانه، يلي ذلك تخريج المعلقة، فأبين الشروح التي اعتمدت عليها، مشيراً إلى اختلاف رواياتها، واختلاف ترتيب أبياتها، كما أشير إلى النقص أو الزيادة في الأبيات، وهذا التخريج ويتضح ذلك في معلقة عمرو بن كلثوم ومعلقة عبيد بن يخدم المعلقات،ويتضح ذلك في معلقة عمرو بن كلثوم ومعلقة عبيد بن الأبرص الأسدي، حيث تشبه بعض الأبيات أبياتاً أخرى في المعلقة نفسها، وقد يظهر التشابه الكبير في الأشطر، ويأتي شرح الأبيات بعد ذلك، فأبدأ بشرح الألفاظ، فإذا كان البيت يشتمل على أسماء أماكن فإنني أعرف بها وأحددها، ولا أقول عن الكلمة (اسم مـوضع) يفعل الشراح الآخرون، فشروح المعلقات التي بين أيدينا من عمل علماء عاشوا خارج الجزيرة العربية، أما هذا الشرح فهو من عمل مقيم في نجد، وقد نشأ فيها وعاش في أكنافها، وزار جل الأماكن التي وردت في أبيات المعلقات،ومع المعرفة الشخصية فإنني أشير إلى المصادر والمراجع التي حددت الأماكن، فهذا الشرح أول شرح يضيف التحديد الدقيق للأماكن الواردة في المعلقات، مما يسهل للقارئ فهم البيـت، فـتـحـديد الأماكن والتعريف بها، ومعرفة مساكن القبائل في الجزيرة العربية من لوازم المعرفة لشرح الأبيات، فقول عمرو بن كلثوم :
يكون ثفالها شرقي نجد
ولهوتها قضاعة أجمعينا
يلزم لشرحه معرفة شرقي نجد، ومساكن قبيلة قضاعة. وشرح البيت يأتي متمما المعنى، بعد اطلاع القارئ على معاني الألفاظ، وتحديد الأماكن.
ولا يخلو هذا الشرح من صعوبات، وإن كانت المعلقات مخدومة من قبل، فقد مضت سنوات وأنا أقرأ شروح المعلقات في الشروح المعروفة، وفي كتب التراث المختلفة، ومع ذلك فإن بعض الأبيات يحتمل أكثر من شرح، فأثبت الشرحين أو الثلاثة.
وقد اعتمدت في إثبات شعر المعلقات، وفي شرحها، على ما نقل عن الرواة، وأثبت في الشروح، مثل شرح ابن كيسان، وشرح ابن الأنباري، وشرح النحاس، وشرح الزوزني، وشرح التبريزي، كما اعتمدت على دواوين الشعراء، ومنتهى الطلب، وأشعار الشعراء الستة الجاهليين، وجمهرة أشعار العرب . أما الاستعانة بكتب التراث المختلفة فقد أوردتها في قائمة المصادر والمراجع في آخر الكتاب».
** **
@salqahtani_ali