قد تشعر برغبة جامحة للكتابة لكنك لا تجد الفكرة التي تستحق أن تكون متناً لموضوع كتابي جدير وجديد، تحاول العروج إلى سماوات عقلك الباطن لاستمطار تلك المعاني والجمل وصياغتها في قوالب كتابية جديدة ولكن دون جدوى، مسكين كاتب الرأي يبحث عن الأفكار التي يقال إنها على قارعة الطريق، لكن هل ما زال هناك أفكار لم تطرح وتعالج، والأهم أين ذلك الطريق الذي يعج بتلك الأفكار؟
أعجب من بعض الكتاب الذين يُغرقون ويغرقون في بحر أفكارهم الكتابية العتيقة، فكل يوم له موضوع ولون وفن، فمرة يتعاطى السياسة كدهاتها ودهاقنتها، ومرة يعرج على الاقتصاد والصحة، وأخرى يتحدث عن المطبخ وشؤونه وشجونه، وقد تجد له موضوعاً عن الرضاعة الطبيعية وأهميتها للأم والصيدليات والمجتمع!.
بعض الكتاب يستمطرون الأفكار القديمة وقد تستمطر لهم، ثم يقومون بحياكتها من جديد في قوالب كتابية متعددة الأشكال ومتعددة الأغراض وهذا يضمن لهم حضوراً دائماً في المشهد الكتابي، لكن بعض هذا التنوع (المزيف ) لا أراه سوى هروب من ندرة الأفكار الذاتية الجادة التي تصاحب حضور الكاتب الرصين، وحالة الاجترار تلك تمثل نوعاً من التصحر الكتابي والجدب المعرفي كون الكاتب لا يجد فكرة تقدح ذهنه ليكتب كتابة رصينة تجعله يرضى عنها قبل أن يرتضيها القارئ ويرضاها.
الفرزدق الشاعر الكبير له مقولة خالدة يتحدث فيها عن الجفاف الشعري الذي كان يعتريه بين فترة وأخرى، وقد عبر عن ذلك بقوله :›› لخلع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات ‹›، وهذا يجسد حالة المبدع بشكل عام عندما يقل عطاؤه ويندر، نتيجة لحالة من الحالات التي تمنعه عن مواصلة الركض في مجاله وميدانه، قد تكون تلك الحالة نفسية أو عرضية، وقد تكون لجفاف داخلي يصيب المبدع كون موهبته الإبداعية لا تستطيع التماهي والانسجام مع حالات الطلب المجدولة مسبقاً، ككاتب الرأي الذي يجب عليه الدفع بمقالته في توقيت محدد لتلحق بركب العدد ومواده وموضوعاته.
الجواهري الشاعر العراقي الكبير له بيت يصف الحالة التي تعتري المبدع والشاعر تحديداً عندما يتوقف عن الكتابة فيقول :»يظنون أن الشعر قبسةُ قابسٍ، متى ما أرادوهُ وسلعةُ بائعِ « وفي ذلك إشارة إلى الحالة النفسية التي قد تكون سبباً في عدم مواكبة المبدع للأحداث والمشاركة فيها من خلال موهبته التي عرفت عنه وعرف بها.
بالمثل كاتب الرأي تعتريه ظروف الحياة وتغيراتها فيصبح أسيراً لحالة مزاجية تمنعه من الكتابة وتصده وتصد عنه كل فكرة سائغة ومسوغة لكتابة موضوع يستوقف القراء ويزيد من رصيد حضوره بينهم ككاتب ينتظر منه الجديد والجميل والمفيد، وهنا يصبح هذا الكاتب أسيراً لحالة مزاجية تمنعه من الكتابة وتجعله لا يرى تلك الأفكار الملقاة على قارعة الطريق، بل قد يصل به الأمر ليضيع الطريق ويفقد الطريقة، ويصبح تائهاً في انتظار إشارة شاردة تضبط بوصلته الإبداعية وتقدح زناد فكره من جديد لتعيده مرة أخرى إلى الاتجاه الصحيح.
** **
- علي المطوع
@alaseery2