رؤية - خالد الدوس:
كتاب: (هجرة الكفاءات العلمية.. المملكة العربية السعودية أنموذجاً لهجرة الكفاءات العكسية في ضوء رؤية 2030)
تعد ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية والعقول المبدعة من الدول العربية إلى الخارج، أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين، خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة، وتتمثل أهم الآثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ترجع الكتابات حول هجرة الكفاءات العلمية، أو ما يُسمّى بهجرة العقول إلى بدايات منتصف القرن المنصرم. ويكتشف القارئ لتلك الأدبيات رؤيتين مختلفتين للظاهرة، امتدتا على مدى زمنين متعاقبين. فإلى مشارف العقد الثامن من القرن الماضي عندما كانت هجرة العقول من بلدان الجنوب النامية إلى بلدان الشمال المتقدمة، كانت البحوث مشدودة إلى رصد وكشف وتحليل التبعات الثقافية والديموغرافية في بلد المهجر. أمّا الفترة الثانية فهي مرتبطة بتمكّن العولمة واستحكامها نظاماً يربط البلدان بعضها ببعض بالاقتصاد والاتصالات، ولقد تزامنت هذه المرحلة مع هيمنة اقتصاد السوق، وتوسع التبادل السلعي، وسطوة التكنولوجيا والعلم على النشاط المعرفي والفكري بصورة عامة.
لقد اتسمت هجرة العقول، خصوصاً منذ عام 1990 بحراك أكبر وتعقد أكثر. فتعددت مسالك الهجرة واتخذت أشكالاً جديدة (عقود محددة في الزمن)، وأضحت تسلك زيادة عن الاتجاهات التقليدية، اتجاهات أفقية (بين البلدان المتقدمة: كندا والولايات المتحدة أو بين فرنسا وبريطانيا) و(بين البلدان العربية) وأخرى دائرية وتكرارية (الهجرات الموسمية للعمل خلال المواسم الفلاحية مثلاً أو الهجرات في إطار تبادل البرامج البحثية بين مراكز البحث والجامعات) أو عكسية (العودة إلى البلد الأصلي أو الهجرة من الشمال إلى الجنوب (لاسيما بالنسبة إلى البلدان الخليجية).
تشير معظم الأدبيات عن هجرة العقول معادلة مُفادها أنّ هجرة اليد العاملة غير المؤهلة مفيدة لبلدها الأصلي بما تدره عليه من تحويلات مالية، وتخفف من ضغوطات سوق العمل أكثر من إفادتها بلد المهجر. بخلاف هجرة العقول التي هي مفيدة لبلد المهجر، مضرة أو غير مجدية لبلدها الأصلي، إذ تحرمه من أكثر الموارد ندرة وقيمة ألا وهي رأس المال البشري، رغم العائدات المالية التي توفرها هذه الكفاءات المهاجرة، والمكاسب العلمية من معارف وخبرات ينقلونها إلى بلدانهم يسهمون بها في تنميتها خلال فترة هجرتهم أو حين عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. لقد أخذت المملكة العربية السعودية بسياسة تشجيع الكفاءات العالية للاستفادة من خبراتها وتجاربها، وعُدَّت في هذا المجال نموذجاً لاستقطاب أصحاب الكفاءات العلمية المتميزة في شتى التخصصات الإنسانية، والاجتماعية، والصحية، والطبية، أو تلك المنتمية للعلوم الدقيقة.
وإذا كانت تلك السياسات قد وضعت منذ بداية النهضة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، فإنها أخذت منذ السنوات الأخيرة مبادئ وتوجهات جديدة؛ بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وما يحقق المصلحة العامة للدولة، وفق الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030.
لقد أصبح هذا البلد محط أنظار الكفاءات العلمية بمختلف جنسياتها وتخصصاتها المعرفية، لما حُبِي به من نعمة الاستقرار السياسي، والاستتباب الأمني، والازدهار الاقتصادي، إضافة إلى ميزة التسامح الاجتماعي والديني والعمق الحضاري والثقافي لمجتمعه.
وباتت الخيارات التنموية الجديدة التي تستثمر أكثر فأكثر في العلوم والتكنولوجيات المتقدمة، وفي الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي للمملكة ودورها القيادي عوامل جاذبة للكفاءات العلمية من مختلف بلدان العالم. وبقدر ما أسهمت تلك المزايا في جلب «العقول» فوفرت لها جودة الحياة ويسّرت لها ظروف البحث والتدريس والابتكار، كان لها أيضاً دور في تشكيل هجرة «العقول» من حيث قطاعات العمل والتخصصات العلمية والمتغيرات السوسيولوجية الأخرى.
لقد اتسمت هجرة الكفاءات بالمملكة بديناميكية وبخاصيات توجب تحليلها ليس لإظهار مكانة المملكة مقارنة بالدول الأخرى في العالم فحسب، بل أيضاً لتبيان ميزاتها واستشراف التحولات المستقبلية للظاهرة.
وعبر هذه الزاوية نسلط الضوء على كتاب (هجرة الكفاءات العلمية.. المملكة العربية السعودية أنموذجاً لهجرة الكفاءات العكسية في ضوء رؤية 2030) للمؤلف والخبير الاجتماعي الاستاذ الدكتور صالح بن إبراهيم الخضيري أستاذ علم اجتماع الهجرة بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود.
تضمن هذا الكتاب ستة فصول: الفصل الأول بعنوان «التطور التاريخي لنشأة ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية والمفاهيم المرتبطة بها»، ويحوي المباحث التالية: المبحث الأول: النشأة وتاريخية الظاهرة، المبحث الثاني: المفاهيم المرتبطة بظاهرة هجرة الكفاءات العلمية.
أما الفصل الثاني بعنوان «هجرة الكفاءات العلمية باعتبارها مساراً تاريخياً»، ويحوي المباحث التالية: المبحث الأول: دور الاستعمار في بناء ظاهرة الهجرة، المبحث الثاني: رأس المال البشري العابر للحدود، المبحث الثالث: التحليل البنيوي لهجرة الكفاءات العلمية.
وشمل الفصل الثالث بعنوان «المقاربات النظرية في هجرة الكفاءات العلمية» على المباحث التالية: المبحث الأول: المقاربة الفردية لهجرة الكفاءات العلمية: الهجرة كقرار عقلاني، المبحث الثاني: المقاربة العولمية لهجرة الكفاءات العلمية: من منظور النظام العالمي، المبحث الثالث: المقاربة الوطنية لهجرة الكفاءات العلمية من منظور السياسات المحلية، المبحث الرابع: نظرية الشبكات الاجتماعية المهاجرة، المبحث الخامس: نظرية الجذب والطرد، المبحث السادس: العوامل المؤثرة في هجرة الكفاءات العلمية، المبحث السابع: هجرة الكفاءات العلمية: حدود المقاربات وأوجه القصور.
ويناقش الفصل الرابع بعنوان «دراسات حول هجرة الكفاءات العلمية والآثار المترتبة عليها» المباحث التالية: المبحث الأول: الدراسات العربية، المبحث الثاني: الدراسات الأجنبية، المبحث الثالث: أوجه القصور والنقص في دراسات هجرة الكفاءات العلمية، المبحث الرابع: الآثار المترتبة على هجرة الكفاءات العلمية.
والفصل الخامس بعنوان «هجرة الكفاءات العلمية في العالم: الخصائص والمفارقات». ويعرض المباحث التالية: المبحث الأول: خصائص الهجرة الدولية في العالم، المبحث الثاني: ديناميكية الهجرة في ظل ظاهرة العولمة: مساراتها وتحولاتها، المبحث الثالث: هجرة لكفاءات العلمية إلى العالم العربي، المبحث الرابع: تداعيات وباء فيروس كورونا المستجد على هجرة الكفاءات العلمية.
وأخيراً يتناول الفصل السادس بعنوان «هجرة الكفاءات العلمية العكسية إلى المملكة العربية السعودية» في ضوء رؤية 2030. ويتضمن المباحث التالية: المبحث الأول: عوامل جذب الكفاءات العلمية إلى المملكة العربية السعودية، المبحث الثاني: سياسة جذب الكفاءات العلمية في المملكة العربية السعودية، المبحث الثالث: بنية هجرة الكفاءات العلمية إلى المملكة العربية السعودية وتغيراتها، المبحث الرابع: تجنيس الكفاءات العلمية في المملكة العربية السعودية، المبحث الخامس: سياسة استثمار الكفاءات العلمية في المملكة العربية السعودية، المبحث السادس: فخصص للتوصيات.
الكتاب جاء بمحتواه الثري الذي ينطلق من المنهجية العلمية والمفاهيم السوسيولوجية للمؤلف والأفكار الرئيسية والمهمة لعلم اجتماع الهجرة.. مواكباً لرؤية مملكتنا الطموحة 2030 والتي من برامجها وأهدافها إيجاد وتهيئة البيئة الجاذبة للكفاءات المطلوبة، وذلك من خلال تسهيل سبل العيش والعمل في وطننا, والاستثمار في العقول والكفاءات العلمية المتميزة التي تسهم -ميكانيكا- في تنمية الوطن وتقدمه النهضوي، وجذب المزيد من الاستثمارات البشرية.. لكي تحقق معدل النمو الاقتصادي المنشود بوتيرة أسرع.