لا شك أن الحروب قلت بشكل ملحوظ خلال الثلاثين سنة الماضية، بل إن البعض اعتبرها أفضل حقبة مرت على التاريخ البشري، هذا إذا ما علمنا أن على طول التاريخ المدون ذي عمر الأربعة آلاف سنة لم يكن هنالك إلا قرابة الثلاثمائة سنة سلم فقط أما الباقي فمعارك طاحنة هنا وهناك.
فالإحصائيات التاريخية قدمت لنا أرقاماً قريبة، فهي تقول إنه كان هنالك قرابة الستين ألف معركة طوال أربعة آلاف سنة والضحايا يتجاوزون الخمسمائة مليون قتيل بمعنى أن القتلى سنوياً يتجاوزون الخمسة آلاف قتيل سنوياً.
بل الأدهى من كل ذلك أن علماء الأنثروبولوجيا يؤكدون أن الأنسان البدائي لم يكن يعرف الحرب كما عرفها الإنسان عندما دخل الحضارة وبدأت الثورة الزراعية عكس ما كان مفهوماً بأن الإنسان البدائي كان يملك نزعة عدائية كبيرة .
ولكني هنا لم أكتب هذه الأرقام إلا لأعود للسؤال الذي شغل مخيلة كثير من العلماء حول سبب قلة الحروب في آخر ثلاثين سنة.
أحد الآراء التي أثارت جدلاً واسعاً كان رأي عالم النفس ستيف تايلور والذي يرى أن بالإضافة إلى الأهوال التي رأتها البشرية في الحربين العالميتين الأولى والثانية والردع النووي وظهور الدمقراطيات، ظهر سبب يبدو غريباً للغاية وهو رياضة كرة القدم، فستيف يرى أن كرة القدم خففت من النزعة الجماهيرية لدعم الحروب، ولو نظرنا للإحصائيات فإننا سنرى بأن عدد لاعبي كرة القدم يتجاوز مائتي مليون لاعب وبعض الإحصائيات تقول إن متابعي كرة القدم حول العالم يتجاوزون الثلاثة مليارات متابع وهذا ما يوعزه ستيف تايلور لما أسماه المكافئ الأخلاقي للحرب وهو نشاط يلبي احتياجات نفسية مماثلة للحرب، وله نفس التأثير المنشط والملزم اجتماعياً، ولكنه لا ينطوي على نفس الدرجة من العنف والدمار.
ربما ليس من قبيل الصدفة الانخفاض الواضح في الحروب، لذلك نمت الرياضة مقابل شعبيتها.
** **
إبراهيم المكرمي - باحث وروائي