سؤال كبير والإجابة عليه محل اختلاف وجدل، لكن يمكن الاكتفاء بأنه رغم الغموض حول مصطلح الأدب العالمي. إلا أنه يمكن القول: أن عالمية أي أدب تكمن في اجتياز الحدود القومية واللغوية، فأي أدب لم يتجاوز هذه الحدود لا يمكنه أن يؤثر في الآداب العالمية الأخرى. إذن ما الذي يحتاجه أي أدب قومي لكي يكون مؤثراً في الآداب العالمية الأخرى؟
سأركز هنا على الدور الكبير الذي تلعبه الترجمة في انتقال الأعمال الأدبية من نطاقها القومي إلى نطاقها العالمي:
- من الملاحظ أن معظم الأعمال الأدبية التي كان لها أثر كبير في الآداب العالمية الأخرى، وصلت إليهم عن طريق الترجمة. نجد على سبيل المثال: أدب شكسبير حظي باهتمام كبير من النقاد والباحثين الألمان وغيرهم، حيث يرى البعض بأنه يفوق الإنجليز أنفسهم، وهذا ما لم يكن لولا الترجمة. وكذلك: شعر عمر الخيّام الذي رأى النور والاهتمام العالمي بعد ترجمته إلى الإنجليزية، كما لا يمكن إنكار تأثير «حكايات ألف ليلة وليلة» في الآداب الأوروبية وغيرها الكثير من الأعمال الأدبية الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها.
- كما نجد أن العديد من الدراسات الأدبية المقارنة تؤكد على بطلان مقولة «الاكتفاء الذاتي»، فليس هناك أدب قومي لم يتأثر بالآداب القومية الأخرى بصورة من الصور. كما تؤكد على أن الآداب في حالة تفاعل وتبادل، وأخذ وعطاء واستيراد وتصدير. وهذا بدوره، ينعكس تماما على الأدب العربي بشكل عام.
o كيف كان حضور الأدب العربي عالميا بين الماضي والحاضر؟ بإيجاز:
- لا يمكن إنكار الاهتمام الغربي والأوروبي بالآداب العربية من قبل أوائل المستشرقين الذين ترجموا العديد من العلوم والآداب العربية إلى لغاتهم حيث كان لها أثر كبير في النهضة والحضارة الأوروبية وهذا ما يؤكد عليه العديد من علماء الغرب المنصفون كالمؤرخ الفرنسي «جوستاف لوبون» في كتابه «حضارة العرب» و»مقالات» الفيلسوف الفرنسي «ارينيه جينو».
- كما تؤكد العديد من الدراسات أن هناك اهتمام روسي بالآداب العربية يرجع للقرن التاسع عشر ميلادي وغيرها من الاهتمامات من الأمم الأخرى.
- في العصر الحديث: تحولت هذه الاهتمامات إلى وجود أقسام ومعاهد ومدارس لدراسة اللغة العربية وآدابها في شتى الجامعات العالمية في الشرق والغرب.
o دور الجوائز العالمية وتأثيرها على عالمية الأدب العربي في العصر الحديث:
سأركز هنا على الأدب العربي بشكل عام و»السعودي» بشكل خاص، ليس من باب التحيز القومي وإنما من باب إنصاف هذا الأدب الذي ظل لزمن طويل رهين قيود محافظة ومتشددة ساهمت في عزلته عن الآداب القومية الأخرى:
- منذ عام 1988م حينما حصل نجيب محفوظ على جائز «نوبل» زاد الاهتمام العالمي وخاصة الغربي بالآداب العربية، هذه الجائزة فتحت الباب على مصراعيه لنقل الأدب العربي من حدوده القومية إلى الآداب العالمية الأخرى. فلا شك أنها زادت تسليط الضوء على قضايا وموضوعات الآداب العربية في شتى الدراسات الغربية ذات الشأن
- بالنسبة للأدب السعودي، سيتم التركيز على حضوره في المحافل الدولية من خلال الرواية، على سبيل المثال لا الحصر:
- في عام 2005م فازت رجاء عالم بجائزة «اليونيسكو للكتابة الإبداعية للمرأة العربية، كما أصبحت أول امرأة عربية تفوز بالجائزة الدولية لرواية العربية «البوكر» عام 2011م عن طريق روايتها « طوق الحمام».
- عبده خال: أصبح أول روائي سعودي يفوز بجائزة «البوكر» عام 2010م عن طريق روايته «ترمي بشرر».
- محمد حسن علوان: يفوز بجائزة البوكر عام 2017م عن طريق روايته «موت صغير».
- في الواقع حافظت الرواية السعودية على حضور قوي في القوائم الطويلة والقصير «لجائزة البوكر» منذ بدايتها حتى اللحظة.
- هذه الجوائز الأدبية في المحافل الدولية ساهمت بشكل كبير في انتقال الأدب السعودي من القومية إلى الآداب العالمية الأخرى، كما زاد من اهتمام النقاد والباحثين الغربيين في قضايا وموضوعات الأدب السعودي، كما إنها مهدت لترجمة العديد من الأعمال الأدبية السعودية مثل: الروايات التي فازت بالجوائز الأدبية وروايات غازي القصيبي وتركي الحمد ويوسف المحيميد وغيرهم الكثير، كما لا يمكن تجاهل الحضور غير العادي لرواية « بنات الرياض» لرجاء الصانع التي ترجمت إلى نحو 40 لغة عالمية.
- هذه أمثلة على الدراسات الغربية حول الأدب السعودي وقضاياه بشكل عام، حيث تعكس مدى أثره بالآداب العالمية، بشكل مختصر:
1. «Culture and Customs of Saudi Arabia» by David Long in 2005
2. «On Saudi Arabia: its people, past and religion» by Karen House in 2012
3. «Saudi Arab Stereotype and Culture in News Media and Literature» by Goerge koors in 2014 ?
4. «Women and Words in Saudi Aarbia» by Saddeka Arebi in 1994
هذه أمثلة بسيطة على حضور الأدب السعودي وقضاياه في الدراسات الغربية في شتى مجالاتها، ومع ذلك يجب أن نكون على دراية أن بعض الاهتمامات الغربية في الشأن السعودي للأسف ذات تحيزات سياسية وأجندة غربية تسعى لنيل من هذا البلد وتشويه صورته، ورغم ذلك نجد أن هناك الكثير من الدراسات المنصفة التي تتصدى لمثل هذه الدارسات.
قبل أن أختم مقالي، هذه أهم التوصيات للحفاظ على الحضور العالمي للأدب السعودي وقضاياه بشكل منصف:
o لكي يكون الأدب السعودي مؤثرا وحاضرا عالميا باستمرار، ماذا نحتاج؟
- توصيات مهمة يجب أن يستفيد منها النقاد والباحثين المهتمين في الأدب السعودي وكذلك القائمين على المؤسسات الثقافية والأكاديمية في المملكة العربية السعودية:
- الاستفادة من الاهتمام الكبير الذي بدأ في السنوات الأخيرة الذي يسعى لتعزيز الحضور السعودي على كافة الأصعدة ومن ضمنها الحضور الأدبي والثقافي من خلال إنشاء وزارة الثقافة عام 2018 وكذلك هيئة الأدب والنشر والترجمة عام 2020م وهذا ما يتوافق مع الرؤية الوطنية 2030
- لابد من الاستفادة من الكوادر الأكاديمية المؤهلة لنقل الأدب السعودي من المحلية للعالمية.
- اختيار أفضل الأعمال الأدبية السعودية بعيدا عن تحيزات مؤسسات النشر التي تبحث عن الربحية لتقديمها للآخر بلغات مختلفة عن طريق الترجمة.
- يجب ألا تقتصر الترجمة على اللغات الغربية، بل يجب أن تشمل لغات شرق آسيا والصين وروسيا.
- التعاون مع الجامعات والمعاهد ومؤسسات النشر ذات الاهتمام بالدراسات العربية وآدابها....
- إتاحة الكتب والأعمال الأدبية السعودية المترجمة أولاين لتكون سهلة الوصول لدى طلاب الدراسات العليا والباحثين في مختلف بلدان العالم.
- استضافت الباحثين والمترجمين المهتمين باللغة العربية وآدابها من خلال المؤتمرات والندوات سواء في الداخل أو حتى في الخارج.
- تزويد الجامعات والمكتبات العالمية بأهم الأعمال الأدبية السعودية المترجمة وهذا سيجعلها خيار متوفر لموضوعات طلاب الدراسات والباحثين في الجامعات العالمية وغيرها الكثير.
** **
- د. عادل المظيبري
@AAlmuthaybiri