( 1 )
إرضاءً لأمِّي أعددتُ العدةَ فرحاً لزيارة خالتي.
.. وفي ذات الوقت يكمنُ في نفسي شيء لا تبين معالمه، بل يشغلني وبشدة غموضه في مرارة مستوحاة من مرارة أحسُّ أمي تتجرعها كلما خطر على البال ذكر خالتي التي لم نرها من زمن.
( 2 )
غيمٌ، ووحلٌ، وأشباحٌ لبشر تتدحرج، نحيلة، عرجاء، كسحاء، عارية إلا من خرق بالية ممزقة.
.. والبيوتُ مثقبةً جدرانُها وسقوفُها، يحوطها هياكلُ نخيل، هياكلٌ تقف على شاطئ نهر نضب ماؤه، يلفها ثعابين، تُدهشُ الناظر إليها، وتُرعبُ المحدق فيها.
.. ومن حين لحين تدلي أدمغتها فاغرة فاها الواسع جداً، وفي طرفة عين تختفي أجسام.
( 3 )
مدهوشاً تسمرت .. !
- تساءلت: أين أنا، وأين خالتي، وما هذا الذي هي فيه؟!.
قرصت نفسي لأتيقن ما إذا كنت في منام أم في حقيقة، ولما آلمني القرص تذكرت أمَّـي:
«في الفترة الأخيرة حيرتني أمي أشد ما تكون الحيرة، فكونها تتهمني بأنَّني لن أعرف خالتي فهذا افتراء بائن، وفي ذات الوقت أمي لا تكذب، إذاً فثمة شيء تقصده أمي».
- قالتْ تتحداني: أنت لن تعرف خالتك.
.. ولما قدمت لها مائة ألف دليل وستمائة ألف برهان طلبتْ مهمومة :
- إذاً أريدكُ أن تزور خالتك.
- تساءلت ربما مازحاً : أأعرفها؟
.. وأطرقت أمّي صامتة، ثم رفعت قامتها متنهدة وقد بدت على وجهها إمارات أدخلت إلى نفسي همَّاً، وكدراً، ونغصاً، ثم استفسرتْ غاضبة:
- أتهزأ .. ؟!
- ثم أردفتْ محزونة واثقة : نعم، لن تعرفها..!
( 4 )
لم أشأ أن أفهم أمي، ولم يشأ لأمّي أن تسترسل.
فقد راحت أمي تدمع ..
دمع يمزقني، ويزيدني وجعاً، وأنيناً.
** **
- عبادة عشيبة