هيئة التحرير بالثقافية / الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
تطرح الجزيرة الثقافية في هذا العدد موضوعًا مهمًا طالما كان مثار تساؤل لدى المثقفين والأدباء والمهتمين بالنتاج العلمي عمومًا، وهو مصيرمخطوطات المؤلفين بعد وفاة أصحابها! وفي الغالب أن مصير هذه المسودات هو الإتلاف، فنادرًا ما نسمع عن كتب طبعت بعد وفاة أصحابها إلا إذا كانت ذراريهم من أصحاب الاهتمام الثقافي والعلمي أو يتسقون معهم في ذات الاتجاه, عندئذٍ ستكون النتيجة إيجابية ومثمرة, أما دون ذلك فمصيرها سلال المهملات. الجزيرة الثقافية كما عودتكم ستفتح هذا الملف المهم لتناقش أصحاب الاختصاص والاهتمام للبحث عن حلول لمثل هذه الحالات.
نتساءل في هذا العدد عن مصير مسودات الكتب بعد رحيل أصحابها في ظل اللامبالاة من بعض الورثة تجاه مخطوطات الراحلين وعدم تقدير هذا النتاج العلمي والثقافي والفكري وقد تكون عرضة للإهمال والضياع وهل للورثة أو القيّمين على هذا الإرث الحق في التصرف فيها كما يشاؤون بعيداً عن مساءلات الجهات الثقافية والمكتبات الوطنية؟ و(الثقافية)تفتح هذا الملف الهام وتناقش مسائل حول مصير تلك المسودات الكتب التي بقيت في أدراج المؤلفين بعد وفاتهم وتقف أمام تساؤلات كثيرة عن وجوب نشر كلّ ما خطّه الراحلون، ولا سيّما إذا كانوا من مشاهير الثقافة والعلم والإبداع.
وتأمل الجزيرة الثقافية من وزارة الثقافة أن تبادر مشكورة - وهذا هو ديدنها في خدمة كل القضايا التي تهم الثقافة- إلى سن قانون يحمي هذه المخطوطات لتنتقل ملكيتها إلى الجهات المعنية مثل وزارة الثقافة لتتولى طباعتها والإشراف عليها.
** **
«الجزيرة الثقافية» تتساءل عن مصير مسودات الكتب بعد رحيل أصحابها (1)
«الثقافية» - علي بن سعد القحطاني:
نتساءل ماذا عن مصير مسودات الكتب بعد رحيل أصحابها في ظل اللا مبالاة من بعض الورثة تجاه مخطوطات الراحلين وعدم تقدير هذا النتاج العلمي والثقافي والفكري وقد تكون عرضة للإهمال والضياع وهل للورثة أو القيّمين على هذا الإرث الحق في التصرف فيها كما يشاءون بعيدا عن مساءلات الجهات الثقافية والمكتبات الوطنية و(الثقافية) تفتح هذا الملف المهم وتناقش مسائل حول مصير تلك المسودات الكتب التي بقيت في أدراج المؤلفين بعد وفاتهم وتقف أمام تساؤلات كثيرة عن وجوب نشر كلّ ما خطّه الراحلون، ولا سيّما إذا كانوا من مشاهير الثقافة والعلم والإبداع.
وكان بدء محور ملفنا الصحفي حول (مصير مسودات المؤلفين بعد رحيل أصحابها) مع الناشر وصاحب الثلوثية الدكتور محمد المشوح عن عدم مبادرة أصحاب المخطوطات والمسودات بنشر تلك الملفَّات وتحدث قائلا: الحقيقة أنَّ هذا الأمر يختلف ويتفاوت؛ هناك بعض المخطوطات أو المسودات للكتب والبحوث قد تكون غير مكتملة، ومن ثَمَّ لم يستطع المتوفَّى والباحث الرَّاحل أن ينشر هذا الأمر دون أن يكتمل، فداهمه الموت، وانتقل إلى رحمة الله وهو لم يُكمل عمله، ومن ثَمَّ في نظري فالأمر يحتاج إلى أمور:
- إما أن يقوم ورثة المتوفَّى أو يسندوا هذا الأمر إلى أحد من الباحثين والمهتمِّين؛ ليكمل عمله على طريقته، أو أن يقوم بنشر ما تمَّ فقط، ويُشار في مقدمة الكتاب إلى أن هذا الأمر لم يتم ولم يستكمل، ورغبنا في نشر ما هو موجود فقط. وهناك أسباب أخرى.
- منها أيضًا لعدم النَّشر أنَّ الكاتب مثلًا فيما يتعلَّق بالمذكِّرات والسِّير الذاتيَّة، بعض المؤلِّفين من العلماء والأدباء والمثقَّفين وأساتذة الجامعات ورجالات الدَّولة لا يرغب في نشر سيرته الذَّاتيَّة في حياته، ومن ثَمَّ فهو يرغب أن تُنشر بعد وفاته لأسباب؛ منها: لا يريد أن يسمع الصَّدى، سواء كان سلبيًّا أو إيجابيًّا عنها، ولا يتحمَّل النَّقد الَّذي قد يرد، أو غير ذلك، أو قد يكون فيها جوانب يرى أنَّها تتضمَّن حساسيَّة معيَّنة، ولا يرغب أن يكون موجودًا وهي تُنشر.
- ومن الأسباب أيضًا في عدم النَّشر؛ الكلفة الماليَّة والماديَّة، فالبعض من الأدباء ومن المثقَّفين ليس لديه القدرة على النَّشر، ودور النَّشر أيضًا تحمَّلت أعباء كثيرة، ولديها كلفة ومصاريف، وتَراجُع سوق النَّشر أدَّى إلى إحجام الكثير منها عن نشر هذه الكتب وتحمُّل التكاليف، ومن ثَمَّ نزعت دور النَّشر إلى أن يتحمَّل المؤلِّف أو الكاتب كلفة الطِّباعة، وهذا لا يستطيعه البعض، وأصبحت هذه الكتب رهينة الأدراج، ولا يستطيع نشرها؛ لأنه ليس لديه القدرة الماليَّة اللَّازمة.
- ومن الأسباب أيضًا؛ تردُّد الكاتب أو المؤلف في النَّشر، فبعضهم يرى أنَّ العمل يحتاج إلى مزيد من التَّأمُّل، يحتاج إلى مراجعة، تحتاج إلى استكمالات معينة، ومن ثَمَّ تجد أن العمل مكتمل، لكنَّه لا يرغب النشر؛ لأنَّه يتصوَّر أنَّه يحتاج إلى شيء من التَّأمُّل والنَّظر.
أهمية تلك الـمسودات
وتحدث الدكتور محمد المشوّح عن أهمِّيَّة تلك المخطوطات والـمُسوَّدات وقال: لا شك أنَّ الأهميَّة تتفاوت وتتباين وتختلف؛ فالبعض من هذه المخطوطات والمسوَّدات لها أهميَّة، خصوصًا إذا كان هناك مباحث علميَّة جيِّدة، أو سيرة ذاتيَّة دقيقة، أو غير ذلك من المعلومات، أو غيرها من الأمور، سواء كانت وثائق أو غير ذلك، وهذا التَّباين والاختلاف في أهميِّتها يحتاج إلى نظر، إمَّا من مختصِّين أو من باحثين، حتَّى يقيِّموا هذا العمل وأهمِّيَّته واستحقاقه للنَّشر، أو حتَّى عرضه على الجهات الأخرى المعنيَّة.
التراث المغيب
وعن المحافظة على هذه المسوّدات يرى الدكتور محمد المشوّح أنَّ المحافظة على هذا التُّراث تكمن في تعاون الورثة مع الجهات المسؤولة في نشر هذه الأمور إذا كانت لها أهميَّة تاريخيَّة أو التَّعاون مع جهات أهليَّة مثل دور النَّشر وغيرها لنشر تراث المتوفَّى، وهذه هي الأهميَّة اللَّازمة، أن يتمَّ نشر هذه الكتب، وإسنادها إلى لجنة مختصَّة، أو إلى باحث مختصّ؛ حتَّى يستطيع استكمال هذه الأمور وتهيئتها للنَّشر.
المحافظة على هذا الإرث
- وأشار الدكتور المشوح إلى أنه من المعروف دائمًا في الغالب أنَّ مَن بعد المتوفَّى من أولاده وأهله وذريِّته لا يقدِّرون قيمة ما لدى المتوفَّى مثل ما كان هو يقدِّرها، وهذا أمر مشاهد ومألوف ومن ثَمَّ تتباين اهتمامات الورثة، فبعضهم يُهدي مكتبة والده إلى جهات، وبعضهم يبيعها، وبعضهم حتَّى هذه المخطوطات الَّتي لديه أو المسوَّدات يهديها إلى أشخاص أو يبيعها، وكل هذه الأمور تعبِّر عن الاختلاف، والمهمّ أن يتم المحافظة على هذا الأمر، وأكّد الدكتور المشوح أنه من المهمّ أن تصل إلى أيّ جهة آمنة، سواء أكانت من الباحثين أو من المؤسسات، وهو في حدِّ ذاته محافظة عليها من التلف والإهمال.
دور المكتبات الوطنية
- وعن دور المكتبات الوطنيَّة مكتبة الملك عبدالعزيز العامَّة، ومكتبة الملك فهد.. والمحافظة على هذا الإرث يرى الدكتور محمد المشوح أن المؤسَّسات لا تستطيع أن تقوم بكلِّ شيء، والمؤسَّسات لها أدوار محددة وواضحة، ولها أهداف، ولها أعمال منوطة بها، ولا تستطيع أن تتجاوزها، وتقوم هذه المكتبات أحيانًا بشراء بعض المكتبات الخاصَّة، والتَّعاون مع بعض الورثة فيها، وقال الدكتور المشوح أيضا: لكن هذا الأمر التَّوسُّع في نظري صعب، وأنا لا ألوم هذه الجهات أو المؤسَّسات؛ لأنَّ العدد كبير، وهذا يحتاج إلى جهد وعمل ونفقات أخرى قد لا تستطيع هذه الجهات الوفاء بها، لكن هناك حالات أفضل من هذه، وهو التَّعاون مع الجهات الأخرى، سواءً دارة الملك عبدالعزيز، مكتبة الملك فهد الوطنيَّة، مكتبة الملك عبدالعزيز العامَّة، مكتبات الجامعات، التعاون معها عن طريق وقف من الأوقاف، عن طريق التحمُّل؛ يتحمَّل الشَّخص التَّكاليف اللَّازمة لهذا الأمر، هذه الأمور تُسهِّل قيام المؤسَّسات بعملها، والشَّراكة مع الورثة وغيرهم في المحافظة عليها.
مسوّدات أعضاء هيئة التدريس
وشاركنا في هذا الملف الثقافي (مصير المسوّدات والمخطوطات بعد رحيل أصحابها) الدكتور مسعد العطوي وبناء على خبراته الطويلة في أروقة الجامعات يرى أن تأجيل المؤلفين وأعضاء هيئة التدريس المعاصرين لطباعة مسوداتهم يعود إلى مراجعة أكثر ويطول الزمن فتتضاءل الحماسة أضف إلى ذلك قلة المردود المادي وكثير من المخطوطات تفقد أهميتها إذا لم تطبع، وبعض المخطوطات متعددة الأجزاء فلا قدرة للمؤلف على طباعتها وليس لها تشجيع في مكتبات الجامعات وتنظيم يحفظها ويحفظ حقوقها؛ لذا يحافظ عليها صاحبها حتى الموت وربما تموت بعده بأشهر فيكون مصيرها التلف.
مسوّدات الراحلين
وعن نظرة الورثة لمسوّدات الراحلين رأى الدكتور مسعد العطوي أن أكثر الورثة ليس عندهم أهمية للمعرفة ولا حماسة للتراث آبائهم ولا وعي بقيمة المخطوطات ومنها ما يخضع لصراع الورثة على الإرث ولو كان هناك نظام لإيداع المخطوطات لأمكننا المحافظة على هذه الثروة المتميزة كالرسائل التي خضعت للبحث والإشراف والمناقشة ويجب على الجامعات قبول المكتبات التي تُهدى لهم من المؤلفين الأحياء أو بعد موتهم وبعض أصحاب المؤلفات يوصي بإهدائها لمكتبات الجامعات فمن الحقوق العلمية محافظة الوطن على خزائن المعرفة ومن المؤلم سماع رفض الجامعات لقبول إهداء المكتبات الخاصة وتُعاب على المجتمع الحضاري ويجب أن يكون في مكتبات الجامعات إدارة للمعلومات تستقبل فيها المخطوطات المكتوبة في الحاسب الآلي.
قيمة وأهمية المسوّدات
وأشار الكاتب والروائي صالح السويد صاحب صالون الخيّال الأدبي الثقافي إلى أن عدم مبادرة بعض الورثة لنشر المخطوطات والمسودات بعد وفاة أعلامها راجع لقلة المال وكذلك التردد في النشر خاصة إذا كان المحتوى مرتبطاً بالتأريخ أو الأنساب وتبقى هذه المخطوطات أو المسودات بمثابة موروث غال وثمين وتكمن مسؤولية المحافظة على هذا التراث المُغَيّب من مسؤولية الورثة أنفسهم بالإضافة إلى الجهات المعنية بالثقافة.
مؤلفات تحت الطبع
كما شاركنا في الملف الصحفي الأستاذ مسعود المسردي المهتم بتراث الجزيرة العربية وثقافتها، وله عدة مؤلفات في الجغرافيا التاريخية والسير والفهارس وتحدث قائلا: توفي بعض الأدباء والمؤرخين ولهم مؤلفات لم تطبع، وبعضها تفرّق بين الباحثين كتفرق أيدي سبا، ومن أولئك الشيخ سعد الجنيدل، ومما اطّلعت عليه من مؤلفاته التي لم تطبع: «كتاب احتجاز المجاز بين اليمامة والحجاز»، و»جغرافية الأدب العامي»، و»شعراء العالية» الجزء الثاني، وكتيب عن «صحراء المستوي»، وآخر عن «تبالة ببيشة» وغيرها.
أما الأديب الشاعر عبدالرحمن العبيّد فقد ذكر أن لديه مؤلفات لم تطبع وبعد وفاته سألت أحد أبنائه فقال: «لا يوجد لدينا شيء لم يطبع، وله مقالات مجموعة في مسودة بعنوان «على طريق الفكر» في طريقها للطباعة والنشر «، وقد قام أبناؤه وفقهم الله بإعادة طباعة كتبه القديمة ووزعوها في بادرة يشكرون عليها.
كما استذكر الأستاذ مسعود المسردي هاجر ابنة الأديب فهد المارك في تغريدة لها أن لوالدها كتباً لم تطبع منها: «جيل يتهم جيلا»، و»الجيل الصامت» في أربعة مجلدات، و»مقاومة المقاومة من الطفولة إلى الكهولة»، و»من لا ماض له لا حاضر له»، و»أيام في الجزائر»، و»من وحي الواقع - ديوان شعر»، و»العصامي الذي بني مجداً لذويه»، والجزء الخامس من كتاب «من شيم العرب»، ولعبدالله نور الأديب المعروف بعض الكتب والمسودات المتناثرة لم تطبع إلى الآن، ولمحمد القويعي صاحب الكتب التراثية الشهيرة مسودات لم تطبع وذكر بعضها في كتبه المطبوعة، وللوراق اليمني الشهير أحمد كلاس الذي عاش أكثر حياته في الرياض كتباً كثيرة لم تطبع أغلبها ضاع، ولدي أحدها عنوانه ظريف ولطيف وهو ( تنبيه الأنام في من قال شعراً في المنام).
ولو استقصينا الكتب التي لم تطبع لأدباء ومؤرخي بلادنا لاحتجنا إلى عشرات الصفحات.
وكان للشاعر محمد حلوان الشراري رأي حول ملف (مسودات المؤلفين بعد رحيل أصحابها) وأشار إلى أن قلة المال والتردد والتسويف وراء تأخر نشر تلك المسوّدات.
ومن المخطوطات التي اطّلع عليها ولم تنشر على سبيل المثال:
- «ذكريات ملاح في بحر القريات» للأستاذ: إبراهيم بن محمد حبرم.
- «أوليات للقريات»: إبراهيم بن محمد حبرم.
- «الجوف عبر العصور»: فهد قاسم الموسر.
- «مقطوعات شعرية على بساط النقد»ج3: فهد قاسم الموسر.
- «شاعرات من الشرارات»: سلمان الأفنس الشراري.
- «لحظات في حياتي»: سلمان الأفنس الشراري.
- «أفنس الدمام»: سلمان الأفنس الشراري.
- «محمد بن عبدالوهاب»: سلمان الأفنس الشراري.
- «شعراء الشمال»: سلمان الأفنس الشراري.
- ومجموعة مسودات لرسائل بين سلمان الأفنس الشراري وبين الأدباء منهم روكس العزيزي والعلامة حمد الجاسر والأستاذ عثمان الصالح.
ومن المخطوطات التي لم يُطّلع عليها ولكن كثيرا ما ذكرت في الحديث عن أصحابها:
- «رثاء الزوجة في التراث العربي» عابد إبراهيم العابد.
- «الشعراء الأحمدون»: عابد إبراهيم العابد.
- «ناس من الجوف»: عابد إبراهيم العابد.
- «ينبوع الحنان»: عابد إبراهيم العابد.
وقد أدرك هذا الأمر محمد حلوان الشراري مع بعض ورثة الراحلين فمنهم من لا زالت كتب والده المخطوطة رهينة الأرفف ولا يعرف قيمة محتواها فتتعرض للتلف من الغبار أو الماء أو التآكل، ومنهم من يبيعها ضمن محتويات مكتبة والده غير مبال بأهميتها ولا باحثا عن محتواها.
وأشاد الشاعر محمد حلوان الشراري بجهود مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ومكتبة الملك فهد الوطنية من أجل المحافظة على مكتسبات وتراث وتاريخ هذا الوطن ولا شك أن كثيراً من هذه المسودات والكتب والمخطوطات تحوي تاريخا مهما ويجب المحافظة عليه بالشراء أو بالاقتناء ومن ثم طباعة ما يستحق الطباعة منها وفاءً لجيل أفنى عمره من أجل أن يقدم لنا المعلومة النادرة من مصادرها الموثوقة.