ميسون أبو بكر
اطلعت على ثقافات دول متعددة وسافرت إلى دول عربية شرقية ومغاربية وأخرى في قارات بعيدة وكنت قريبة من أهلها أقترب من جوهر الحياة وليس من قشورها كالسياح العابرين، فاكتسبت معرفة بعادات تلك الدول وثقافة أهلها؛ وما أريد الحديث عنه هنا مع قرائي الكرام هو عن حياة كبار السن في عدد من البلدان.
بلادنا العربية بحكم ديننا الإسلامي وما تنص عليه شريعته فهناك مكانة خاصة لكبار السن ومعاملة تليق ببرّ الإنسان العربي المسلم بوالديه، الذي يحتوي والديه -وفي أحايين جدته أو جده- فيفضل أن يعيشا معه تحت سقف واحد ليمنحهما من العناية ما يتكفل بسلامتهما وراحتهما وسعادتهما، بل يتسابق الأبناء على برهم ويسعد الأحفاد بحسهم والتواصل معهم والاستماع لأحاديثهم وسوالف الماضي، وأكاد أجزم أن دول الخليج والمملكة العربية السعودية بالذات تفوق دولاً أخرى في ثقافة أهلها تجاه كبار السن، الذي يحسنون متكأه ويتسابقون لخدمته ورغم وجود ممرض طبي أو خادم خاص بالمسن إلا أن العائلة تجتمع حوله وكما سبق وذكرت تتسابق لخدمته وتلبية حوائجه وطلباته، والضيوف يأتون لتحيته والسلام عليه والترويح عنه وتناول العشاء معه.
رأيت وشهدت وعشت مع أسر سعودية كثيرة محور حياتها (البركة) كما يقولون عن كبار السن الذين يعدّوهم بركة البيت ورزقه، عرفت زميلاً في العمل كان يعتذر عن فرص السفر في العمل أو الالتحاق بأسرته في بعض الأحايين في العطلات الرسمية ليلازم والدته كي لا تشعر بالوحشة والوحدة.
كبار السن في الغرب لهم نمط آخر وحياة تختلف من زاوية كبيرة، فكلنا نعرف النمط الأوروبي وطريقة عيش الأبناء منذ بلوغهم الثامنة عشرة واستقلاليتهم وسعيهم للعمل لكفالة أنفسهم في العيش والدراسة واستقلالهم عن ذويهم، الأسر ذات العلاقة الجيدة والأبناء الذين تربوا تربية أسرية حميمية يتواصلون على الدوام مع آبائهم وأمهاتهم ويجتمعون في العطلات والمناسبات ويرعون شؤونهم بين الوقت والآخر وهذا يحدث في نسبة قليلة، لكن النظام الصحي في دولة كفرنسا مثلاً يكفل الرعاية الصحية للمسنين بشكل رائع، وهناك سيارات للعناية الطبية تتوافد على المسنين بمنازلهم للعناية بهم أو لنقلهم للمستشفيات وهي ما جعلت الحياة أكثر سهولة على كبار السن الذين تعد أعمارهم الأكثر طولاً في أوروبا ويعدون النسبة الأكبر في المجتمع.
المسنون يقودون سياراتهم بأنفسهم وأحياناً أكثر يذهبون مشياً أو يستخدمون وسائل المواصلات المتاحة لقضاء حاجاتهم سواء في السوبر ماركت ومحال الحاجات المنزلية والمختبرات الطبية وعيادات الأطباء وهم وحيدون مع القطط أو الكلاب التي يحرصون على تربيتها للعناية بهم ورفقتهم في وحدتهم إن لم يلتحقوا بدار مسنين وهي المنتشرة بكثرة في تلك المجتمعات، ولا أنسى طرحي في إحدى مقالاتي حين ثار البعض من حديثي عن دور رعاية صحية للمسنين الذين ليس لديهم أسر والذين هم بحاجة لرعاية طبية متخصصة.
مجتمعات تتباين عاداتها وأولوياتها؛ الله لا يغيِّر علينا ذلك التلاحم الأسري ولعل قداستها من تلك الدعوة الإلهية للعناية وبرّ آبائنا وأمهاتنا زينة الحياة وبركتها.