زكية إبراهيم الحجي
هل نحن بحاجة إلى ثورة مفاهيم إنسانية لندرك أننا ننتمي إلى دائرة الإنسان الذي وهبه الله أداة تعمير الأرض.. هل نحن بحاجة إلى ثقافة تستند على المعاني الإيجابية لفن المعاملات الإنسانية.. ثقافة تفرق بإدراك ووعي بين قولٍ حكيمٍ حصيف يجمعنا على ودٍ وتقدير واحترام حتى ولو كان هناك مساحة اختلاف بين أحدنا والآخر.. وبين قول أحمق أرعن يولد جفاءً وتباعداً وقطيعة.
الإنسان اجتماعي بطبيعته لذا فإنه لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن بني البشر مهما توافرت له مميزات وبدائل تعوضه عن التواصل مع الآخرين.. إن وجود علاقات تفاعلية بين البشر من ضرورات الحياة بغض النظر عن جنسٍ أو معتقدٍ أو لون.. هذا النوع من العلاقات يُبنى عليها ثقافة فن المعاملات الإنسانية، وهذا ما يحتاجه البشر في حياتهم اليومية. فحاجات الإنسان في أغلب الأحيان متعلقة ومرهونة بما عند غيره من البشر، وناموس الحياة أخذٌ وعطاء.
ولأن طبيعة الحياة الاجتماعية تُلزم أفراد المجتمع بأطيافه كافة بالتفاعل مع بعضهم بعضًا، سواء كان هذا التفاعل فيه تقارب أو تنافر إلا أن المتأمل لواقع هذا التفاعل يلمس مدى البعد عن كثير من القيم الجميلة التي كانت تميز المجتمعات السابقة زمن الطيبين، ومن ذلك غياب التوقير والاحترام قلة الإخلاص والأمانة.. فقدان الإحساس بالمسئولية والسلوك النقدي المتشدد ضد الطرف الآخر.. وغيرها من معوقات المعاملات الإنسانية المؤذية للمشاعر والملوثة لتفاعل البشر مع بعضهم بعضًا.
المعاملات الإنسانية ليست مجرد كلام مجاملة تقال للآخرين إنما هي تفهم لقدرات الأفراد وطاقاتهم وظروفهم وحاجاتهم.. هي وثائق متينة تربط الإنسان بأخيه الإنسان.. ونحن في هذا العصر أشد ما نكون حاجة لأدبيات هذه الوثائق التي تنبع من معانيها الأدوار الاجتماعية لكل فرد في المجتمع أياً كانت مكانته أو حجم مسئولياته، فالسلوك يعبر عن مضمون القيمة.. قيمة الإنسان في تعاملاته وعلاقاته بالآخرين.
اختلافات.. فجوات واسعة في أنماط التفكير.. وانعدام الوعي العميق لثقافة فن المعاملات الإنسانية يعاني منها بعضٌ من أفراد المجتمع، وهذا ليس اتهاماً بل أمر قد يعود إلى غياب مهارة الاتصال والاندماج مع الآخر ضمن معايير ومؤثرات من التفاعل الإيجابي الموجه والضابط لمحاور المعاملات الإنسانية المبنية على الاحترام المتبادل.. التعاون والثقة احترام القوانين والمواعيد.. وغير ذلك من المهارات المهمة التي يرتكز عليها الاتصال بين البشر.
المعاملات الإنسانية ما هي إلا مجموعة من التفاعلات التي تمثل سلوكيات أي إنسان في تعامله مع الآخر وتعتمد على تفهم حاجات الفرد والجماعة لتحقيق توازن في الرضا النفسي بين الجميع ومنح الفرص للإنجاز والتقدم.