سهوب بغدادي
فيما عرضت بروكسل الأربعاء الماضي طرق خفض فواتير الطاقة للأوروبيين -خاصةً مع اقتراب الشتاء القارس- بعد انقطاع الغاز الروسي لدول اليورو بسبب وضع حد أقصى لسعر الغاز الروسي في دول الاتحاد الأوروبي، إذ عبرت فرنسا أنها وفرت البدائل على سبيل المثال من الجزائر، كما تبتاع النفط من كل من الهند والمملكة العربية السعودية، قد تبدو التصريحات مطمئنة ومبشرة بالخير بالنسبة للفرنسيين والأوروبيين، ولكنها تحمل في طياتها ضريبة غير منقطعة التأثير، ففي بادئ الأمر حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استرضاء الشعب الجزائري ولكنه لم يرضَ بزيارته التي قام بتمدديها وخصصها للشباب لتلمس احتياجاتهم ومطالبهم، بل نزل بنفسه إلى الشوارع مع العامة وانخرط في الفن والثقافة وموسيقى الراي والثورة الجزائرية، وقدَّم الوعود القريبة والبعيدة بتحسين أُطر التعاون المشترك بين البلدين اللذين تجمعهما قصة حب، كل هذه الأمور لأجل الغاز والشتاء القاسي الذي شارف على الدخول إلى أوروبا بشكل غير معهود، فالذي يضاعف الأزمة أن الصيف الأوروبي هذا العام كان قاسيًا أيضًا وسجّلت حالات عديدة من الوفيات نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متوقع، فدرجات الحرارة المنخفضة سيترافق تأثيرها على المجتمع الأوروبي مع درجات الحرارة المرتفعة ليكون هذا العام قاسيًا في مجمله، وليس الشتاء فحسب، لذا نجد أن منطقة اليورو في احتقان وتوتر شديدين من الحرب الروسية الأوكرانية وتنديد دول الاتحاد ووعيدهم من ثم فرضهم عقوبات اقتصادية على روسيا وهم في موطن ضعف في الأساس، وليس هذا العام 2022 فحسب، فأوروبا واجهت زعزعة هائلة وتخبط بالتزامن مع إعلان بريطانيا خروجها من دول الاتحاد الأوروبي «بريكست» الذي يضم 28 دولة تسمح بحرية الحركة، والعيش، والعمل لمواطنيها داخل دول الاتحاد فضلاً عن التجارة والأعمال والأنشطة الاقتصادية المتنوعة بين الدول الدرجة في الاتفاق، إذ أثر القرار البريطاني على الاقتصاد العام للدول المتداخلة والمعنية بالقرار، لتأتي جائحة كورونا وتداعياتها الهائلة وتكمل بدورها على ما تبقى من اقتصاد وسياسة وأمن وأمان في مواطن عديدة كالأمن الغذائي، والأمن الطبي في المستلزمات الوقائية كالكمامات والمعقمات، من ثم نقص إمدادات الأوكسجين وقلة جاهزية المنشآت الطبية التي تقدم الرعاية للمتأثرين بالوباء، والقائمة تطول، دون الخوض أكثر وبشكل أعمق في التداعيات التي شهدهاالعالم خلال الثلاثة الأعوام المنصرمة، لفتني مانشيت في إحدى الصحف الفرنسية كالآتي «رحلات دايركت من الجزائر إلى فرنسا» فما منطلقات هذا التوجه الجديد؟ لماذا الآن؟ إن المطلع على المناوشات الجزائرية الفرنسية يعي تمامًا أن مسألة السفر بين البلدين ليست سلسة ومباشرة وحبية، باعتبار أن فرنسا قلَّصت بشكل ملحوظ عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين خلال العام الماضي تحديدًا قبل فوز ماكرون بفترة انتخابية ثانية، فلم يكن عنوان الخبر في الصحيفة الفرنسية «ماكرون يعدل عن قرار تقليص التأشيرات الممنوحة للجزائريين»، في هذا الخضم، نجد أن المسائل معقدة متداخلة سياسياً اقتصادياً وتاريخياً وجغرافياً وثقافياً مع بعضها البعض، فكل ما علينا فعله أن ننتظر لنرى ما تحمله لنا الأيام الباردة ونرصد التحركات الأوروبية والقرارات التي سيتم العدول عنها.