يظل الإنسانُ حالةً خاصة... يمتلئ بالغرابة والتَّناقضات... رغباته لا حدود لها، قد يدمِّر الآخرين كي يبقى هو الأوّل دائماً ومحلَّ اهتمام الجميع!
ما يلفت النظر، ويثير الدهشة، هَوَسُ النَّاس بالظهورِ وتصدُّر المشهد العام...
يتزاحمون ليتصدروا المشهد العام، والأحداث، والمناسبات، بشكلٍ عجيب... وخصوصاً إذا حضرت «فلاشات» الكاميرات لتنقل الحدث!
يسعى المصاب بهذا الهوس إلى البروز بشيء من التمثيل والتَّصنُّع، وقد يدفع المال أو يقدّم الهدايا مقابل الظهور في الصورة... ويخرج عن طبيعته وعن الواقع الذي يعيشه من أجل الظهور بصورة البطل، أو القائد الهمام، أو الشيخ الذي يستمع وينصت إليه الجميع.
بعد أن كانت الصورة، في الماضي الجميل، للذكرى، أصبحت في الوقت الحاضر للتباهي والبروز، بدافع من هذا الهوس العجيب، ومحاولة التسيّد على الجميع.
لا أعلم عن سرِّ هذا الهوس؟
هو حالة جديرة بالدراسة، وخصوصاً في هذا الزمن الذي أصبح يعاني من ازدحام هذا الصنف من الناس.
تحوّلٌ عجيب أصاب الإنسان مع تعدّد وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والحضور الطاغي للكاميرات التي تنقل الحدث... أفعاله وأعماله أصبحت مقرونة بالتصوير، ومن أجل أن يقال عنه كذا وكذا، فقط ولا شيء آخر!
كأن عاصفة تقودهم وتسحبهم نحو ذلك الجنون!
حبُّ الظهور والتقدّم على الناس قد يُشبع جوع النفس من نهم الظهور، وكأنه زينة لا بد منها، لكنه يكشف عن فقر روحي مُدْقِع، فالرُّوح الإنسانية الحقّة هي التي تبحث عن السمو الخلقي ولا تنخدع بمثل هذه النزوات العابرة، ولا تهبط إلى مثل هذا الإسفاف، ولا تلهث خلف ظهور لا يسمن ولا يغني من جوع.
عندما يجعل الإنسان كُلَّ أفعاله وأعماله من أجل رغبة السيادة والظهور، فإنه بذلك يكون قد خرج عن مفهوم الإنسانيَّة الحقّة، وغلبت عليه رغباته الجائعة التي لا تشبع إلا بأن تكون متصدرة للمشهد العام دائماً، لتروي دافع الكِبر الطاغي في نفسه، ومعلوم أنه «ما وجد أحد كِبْراً في نفسه إلا من مهانة يجدها في نفسه» فيسعى إلى الظهور والبروز لسدّ هذا النقصِ فيه!
الإنسانُ يحتاجُ إلى ترميم ذاته، والسيطرة على رغباته، والحدِّ منها، ليكون مكتمل الإنسانيَّة؛ يسعى لنفع الناس متوشحاً بالرحمة ومؤتزراً بالتواضع، فيسوِّده الناس بأخلاقِهِ العالية، وأفعالِهِ الحسنة التي تكون خالصة لوجه الله تعالى، بعيدة عن النفاقِ والرياء والمصالح الخاصة.