حيث إن الدَّبلوماسيَّة في مضمونها لا تتغير، وإن ما تغير فيها هو أساليبها التي تدور حول محورها إلاَّ وهو المفاوضة، فإن هذا المضمون لم يتغير وإنما التغير في الأساليب المتعلقة بالمفاوضة كما أشار إليها أحد مشاهير الدِّبلوماسيَّة في العالم الأستاذ/ جول كامبول قائلاً:
1 - إن طبيعة المرء لا تتغير أبداً.
2 - إن هناك طريقاً واحداً لتسوية المنازعات الدَّوليَّة.
3- إن أفضل وسائل الإقناع لحكومات الدَّول هي الكلمة الصّادرة، من رجل مخلص.
لقد عبّر المفكرون والمختصون في العصر الحديث عن طبيعة الدَّبلوماسيَّة، على أنها تدور حول إدارة شؤون العلاقات تتخذ أشكالاً وصوراً أساسية: فهي إما أن تكون على صورة توافق أو إذعان، أو توتر أو قوَّة.
وفي الحقيقة، فإن هذه الأشكال قد لازمت الدَّبلوماسيَّة حَّتى عصرنا الحالي، ممَّا يدل على دوام هذه الطبيعة حينما نقول إن أساليب الدَّبلوماسيَّة هي التي تتغير، فإننا نقصد بذلك أن الدَّبلوماسيَّة لا تعيش في فراغ، وإنما تعيش في أجواء الدَّول التي تعاصرها.
ومعنى ذلك أن هناك علاقة بين أساليب الدَّبلوماسيَّة والعصر الذي تقوم فيه الدولة.
ويمكن أن نشير إلى هذه العلاقة بالقول:
إن دبلوماسيَّة عصر السّلاح الذّري، هي غير دبلوماسيَّة عصر السَّلاح التّقليدي تماماً حيث إن العصور التي تتغير أي أن وعي الإنسان واطلاعه يتغير عن طريق نظمه الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسَّياسيَّة، كما هو معلوم، تعكس فكر الإنسان وتعكس نظرته السَّياسيَّة إلى نفسه وإلى علاقاته بغيره. وبعبارة أدق: تعكس نظرة الإنسان إلى علاقات مؤسسته السَّياسيَّة مع غيرها من المؤسسات أو الدَّول فإذا كانت الأفكار السَّياسيَّة تنعكس على رسم خطَّة السَّياسة الخارجيَّة أو إستراتيجيتها، فإن هذه الخطَّة تنعكس بدورها على أساليب تنفيذها أيضاً، أي أنها تنعكس على عمليَّة إدارة الشّؤون الخارجيَّة مع الغير ويمكَّن القول إن أساليب الدَّبلوماسيَّة السَّائدة في عصر الحروب التَّقليدية قد تغيرت تماماً في عصر الذَّرة.
ويمكَّن الوقوف على أهم هذه التَّغييرات:
الارستقراطية – فقد كانت الدَّبلوماسيَّة خلال القرن السّادس عشر والسّابع عشر، دبلوماسيَّة تُمثّل مصالح الأسر الحاكمة الارستقراطية فالدبلوماسيون في هذه المرحلة بالذات، يدركون تمام الإدراك أن واجبهم الأوَّل طمأنه مصالح أسرهم الحاكمة خوفاً من حروب تقام حيث إن الدَّبلوماسيَّة القويمة تتمثل بالخروج على الأسر الحاكمة وذلك من أجل تحقيق مصالحها وأطماعها وقد تُجسِّد هذا الأسلوب الذي ساد في القرن الثّامن عشر بعد قيام الثّورتين الأمريكية والفرنسية فقد أخذ الدَّبلوماسيون يعملون من أجل طمأنة رغبات الأسر الحاكمة، كما كان في الزمن الماضي – وبعبارة أوضح فإن الدَّبلوماسيين أخذوا يتحسسون مصالح الشعّوب أكثر من مصالح الحكام ومن هنا دخلت الدَّبلوماسيَّة في أساليب أكثر تعقيداً، لأن مصالح الشّعوب هي أوسع وأعقد بكثير من مصالح الحكام.
كما يمكن القول إن هذا التعقيد قد زاد من تضارب المصالح، لا سيما بين الدّول الأكثر نفوذاً. وهكذا يمكن القول أيضاً: إن الأسلوب الَّذي سارت عليه الدَّبلوماسيَّة في التّوفيق بين المصالح، كان أسلوباً يتسم بالمناورات الدَّبلوماسيَّة وذلك من أجل تحقيق توازن قائم على التوفيق بين المصالح القومية. وقد انعكس كل ذلك على التصادم الشّديد بين الدّول. وممَّا زاد في الطين بلة، عدم وجود نظام دبلوماسي تسير عليه الدّول وتلتزم به وقد ظل الأمر كذلك حتى قيام مؤتمر فينا في عام 1815م.
لقد تميزت الدَّبلوماسيَّة الكلاسيكية بالسَّلام الذي عم أوربا فقد أخذت تسيّر العلاقات الدَّوليَّة وفق مبادئ متبلورة في القانون الدولي والقانون الدبلوماسي لهذا يمكن القول إن أسلوب الدَّبلوماسيَّة في هذه الفترة كان أسلوباً سليماُ – حيث إن الأهداف التي سعت إليها الدَّبلوماسيَّة إلى تحقيقها في هذه الفترة كانت تنطوي على فكرة إمكانية في تسويه المنازعات التي حدثت ما بين الدول.
ويمكن القول إن القرن التّاسع عشر هو قرن الدَّبلوماسيَّة الأوربية فقد لعبت أوربا في مقدرات العالم ووجهت دبلوماسيتها لمصالحها.
إذن فان مرحلة الدَّبلوماسيَّة الكلاسيكية هي أوربية في نوعيتها، وكانت أهدافها تتوخى تحقيق نفوذ أوربا على آسيا وغيرها بالدَّبلوماسيَّة الحربية إن دبلوماسيَّة عصر العلم والتكنولوجيا قد جعلت من الدَّبلوماسي أن يكون مستشاراً لوطنه نتيجة لكثرة ممارسته واطلاعه على القضايا الدَّوليَّة المختلفة التي هي من خلق عصر الذَّرة التكنولوجي والعلمي. وأكثر من ذلك فد فرضت متطلبات أمن الدّول بفعل متغيرات الأحداث الدَّوليَّة السّريعة – وإذن فلا نبالغ إذا قلنا إن العالم قد أصبح عالماً واحداً على الرغم من كل شيء.