د.شريف بن محمد الأتربي
في حديث شيق مع زميلتي الغالية الأستاذة الدكتورة أماني جمال مجاهد أستاذ المكتبات وعلم المعلومات في جامعة المنوفية حول أمور تتعلق بمشكلة التخصص ووضعه الحالي، تطرق الحديث إلى نقاط مهمة أخرى لعل من أبرز ما دار حوله هو اللاَّوعي الذي اتصف به البعض حاليًا في تداول المعلومات، وقد تناقشنا في هذه الجزئية مطولاً، حيث كانت وجهة نظر الدكتورة أن الكثير من الأفراد يعانون من اللاوعي المعرفي وعليه فأغلب قرارتهم أو تصرفاتهم تُبنى على قدر ضئيل أو منعدم أو خاطئ من المعلومات، وحين جاء دوري في الحديث ذكرت للدكتورة أنني قد سبق ونشرت على صفحات جريدتنا الغراء (الجزيرة) مقالاً يدور في هذا الفلك، وأنني أريد أن أوضح أولًا أمرًا في غاية الأهمية؛ ألا وهو ما يتعلق بتعريف اللاوعي، ففي موقع «سطور» ورد تحليل للوعي واللاوعي جاء فيه: تمّت دراسة مفهوم الوعي واللاوعي وبنائها، وفقًا لنظريات وتخصصات علم النفس، ابتداءً من نظرية فرويد في التحليل النفسي، وفي مناقشته عن مفهوم الوعي واللاوعي، قسم فرويد العقل إلى العقل الواعي أو -الأنا- والعقل اللاواعي، ثم تمّ تقسيم الأخير إلى اللهو أو -الغرائز ومحرّك الدوافع- والأنا الأعلى -أو الضمير-، في هذه النظرية، يُشير اللاوعي إلى العمليات العقلية التي يكون الأفراد غير مدركين لها، وقد اقترح فرويد بنية عمودية وهرمية للوعي الإنساني، وهي العقل الواعي، العقل الباطن، والعقل اللاواعي - كل منها يترتب تحت الآخر، إذ كان يعتقد أنّ الأحداث النفسية المهمّة تحدث -تحت السطح- في العقل اللاواعي، مثل الرسائل الخفية من اللاوعي؛ وفسّر هذه الأحداث على أنّها ذات أهمية رمزية وحقيقية.
وعليه فإن الشخص الذي يقوم بتصرف ما وهو في حالة اللاوعي لا يكون مدركًا لهذا الفعل الذي قام به وقد وصفه علماء الدين بأنه في مرحلة الإغلاق، بل إن الطلاق لا يقع من الزوج في حالة الإغلاق. وبالقياس فإن الشخص الذي يكون مغيبًا أو في حال الغياب أو ليس مدركًا لأفعاله لا يؤخذ منه علم.
وعلى الطرف الآخر يأتي اللامعرفي، وأود أن أشير إليه هنا في سياق الحديث الدائر بيننا بأنه الشخص الذي هو على وعي، ولكنه لا يملك المعرفة التي يحتاجها للرد على استفسار أو اتخاذ قرار بصورة صحيحة، سواء كانت هذه المعرفة بشكل كامل أو جزئي.
وأخيراً وهو الأهم في حديثنا، وهو الجهل، وللأسف ما ينتشر حاليًا هم الجهال، وأغلبهم ينتشرون في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل، بل ويعدون مصدرًا للمعلومات والمعرفة ينهل منه المغيبون من الناس على مختلف ألوانهم وطبقاتهم، وقد أدى ترك الحبل لهم دون قيد إلى وجود جيل ناقل للجهل بلا وعي، وفي ذلك ضربت مثلاً لأختي الفاضلة، وهو تناقل الأخبار على تطبيق التواصل الاجتماعي الفيس بوك، فكثيرًا ما نجد أن أحدهم قام بنشر مشاركة من طرف ثانٍ وبها من الأخبار ما يؤلم ويكدر الصفو، ولأن الطرف المتلقي غير معرفي فإنه ينقلها من فوره لغيره ولغيره في سلسلة من النقل اللامنتهي، وللأسف حين تصلني مثل هذه المشاركات أجد أغلبها قديمًا جدًا بل قد يتجاوز فترة نشره لأول مرة العشر السنوات، ولكن السهم نفذ وبدأ المنشور كأنه ينشر لأول مرة وبدا أثره واضحًا في المجتمع.
وقد اتفقنا في نهاية الحديث مع الزميلة الغالية أن دورنا نحن في مجال المكتبات والمعلومات والتعليم أيضًا أن نعمل على نشر ثقافة الحصول على المعلومات، وليس فقط الحصول عليها، ولكن تقييمها والحكم عليها قبل نشرها أو اتخاذ قرار بشأنها، وعليه كانت مبادرة نشرة «أوراق»، والتي تهدف إلى محاربة الجهل واللاوعي المعرفي الذي بدأ يتأصل في كثير من المجتمعات نتيجة أمور كثيرة لعل من أهمها التباعد الأسري، ووسائل التواصل الاجتماعي نفسها ودورها في إحداث هذه التباعد.