«كان جالساً في زاوية المقهى يقرأ كتاباً اسم كاتبه أكبر من حجم عنوانه، ربما يملأ عقله بالفكر والمعرفة، إلا أن قلبه في مكان ما يجول في الأنحاء، باحثاً عمّن يقرأ أفكاره فيقترب منه، ليجالسه ويسامره، يريد أي فرصة ليتعرَّف على أناس جدد، يتشارك معهم اهتماماته وتطلعاته. انتهى ذلك اليوم بخيبة أمل، لم يقترب منه أحد سوى النادل طالباً حساب قهوته».
يتكرر هذا المشهد في رأسي دائمًا، وأتساءل: هل التعرّف على الآخرين صعب جداً إن لم يكن هناك موقف أو حوار بيننا؟
هل لا بد من وجود مصالح وراء أي تعارف؟ وهل من الضرورة أن تتحول أي علاقة سطحية لعلاقة أعمق عندما تتآلف الأرواح؟
لنعد لزائر المقهى..
«اقترب شاب يافع منه، بدت عليه الصلابة رغم الألم والانكسار، سأله بلطف: هل قرأت أعمالاً أخرى لهذا الكاتب الرائع؟
هنا كانت البداية، استمرا في الحديث ساعات ولم يلحظ أي منهما كم من الوقت قد مضى، تبادلا التحية وقررا أن يجتمعا للحديث عن أعمال كاتبهما المبجل مرة أخرى»،
لقد كان ذلك اللقاء أشبه بالحلم، لا يتكرر من أصل ألف مرة، خاصة عند غياب الحياة الاجتماعية، فحين نلتقي بالأرواح التي تشبهنا نشعر بالانتماء أكثر لهذا العالم.
تطورت الحياة وأصبح ذلك سهلاً بوجود وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الملتقيات، وربما البعض لا يملك الجرأة الكافية للخوض فيها لأسباب شخصية أو اجتماعية.
أن تلتقي بشخص يقرأ أفكارك، تبحران معاً محيطاً ويابساً، ولا ترسو سفنكما سوى حين تفترقان، ذلك جدير بأن يخلد في حياتك تحكيه لأصدقائك وأحفادك يوماً ما.