د.عبدالعزيز الجار الله
هناك أفكار تبقى غنية في أبعادها ونسقها ولها تجذّر في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، تم تأصيلها والعمل عليها لسنوات حتى ترسخت وأصبحت ثوابت.
فالملك عبد العزيز -رحمه الله - وحَّد جغرافية المملكة وبناء أقاليمها، واحتاج مَن جاء بعده من ملوك إلى تمتين البنية الاجتماعية وتماسكها، ليبقى التأسيس والبناء مستمراً حتى اليوم، والمرحلة الثالثة بناء الوحدة الثقافية الموحّدة، وكان عملها الفعلي في بداية الثمانينات الميلادية والتي تبنى قيادتها وإدارتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض وكان محورها (معرض المملكة بين الأمس واليوم) الذي قدَّم المملكة العربية السعودية في وحدة متكاملة للعالم الخارجي والداخل مع الاحتفاظ بالروح المحلية وخصوصية المكان الجغرافي، نفذ أفكارها عدد من القيادات الإدارية والهندسية والإبداعية منظومة من المبدعين ومنهم من الأقارب والأصدقاء الأستاذ عبدالله بن علي الناصر الجارالله (أبو هاني) الذي انتقل إلى رحمة الله ووارى جثمانه الثرى يوم الجمعة الماضية 9 سبتمبر الجاري 2022م، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، حيث عمل من البداية على وحدة التراث الوطني السعودي بدلاً من التصنيفات والتقسيمات المناطقية والجهوية في التراث الوطني، بل تأصيل فكرة الملك سلمان بن عبدالعزيز أن تقدَّم المملكة للعالم بتشكيل متعدِّد يقوم على أرضية واحدة، وهذا الذي نلمسه ونشاهده من مشروعات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله - في وحدة الإنسان السعودي وتفاعله مع طروحات 2030.
عبدالله الجارالله من الشخصيات الإدارية التي تشبعت بفكرة وحدة التراث الوطني السعودي في معرض المملكة بين الأمس واليوم الذي بدأت فكرة معرض الرياض بين الأمس واليوم حين تقدمت إذاعة صوت ألمانيا في كولون عام 1985م بطلب لعرض مجموعة من الصور لمدينة الرياض في مقر الإذاعة بألمانيا لتعريف الزائرين للإذاعة بالنهضة الحضارية التي شهدتها الرياض، داخل إحدى صالاتها للعرض،
أيَّد الفكرة الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميراً على الرياض، ثم توسعت الفكرة إلى أن أُقيم معرض الرياض بين الأمس واليوم في مدينة كولون بألمانيا عام 1985م، وكان المعرض يحتوي على مجسمات تحكي النهضة الحضارية التي شهدتها المملكة في كافة المجالات، كذلك مجموعة من الصور للمشاريع الرئيسية في الرياض والمملكة، وأعدت مجموعة من أفلام الفيديو والشرائح والمطبوعات التي تحكي قصة التطور في المملكة، وكذلك عمل إضافات في كل محطة من محطات العرض، مع أنماط مكثفة من التراث الوطني السعودي: جناح الصحراء وبيت الشعر، جناح آثار ما قبل وما بعد الإسلام، جناح التراث الشعبي، وقد أُقيم في مدن ألمانيا الكبرى (كولون- شتوتجارت- هامبورج) وبعد النجاح الكبير الذي حققه المعرض في المدن الألمانية، انتقل معرض الرياض والمملكة بين الأمس واليوم إلى الرياض، كما أُقيم المعرض في لندن عام 1986م، وانتقل المعرض إلى العاصمة الفرنسية باريس عام 1986، وخلال أيام المعرض صدر الأمر السامي بتغيير اسم المعرض ليصبح معرض المملكة بين الأمس واليوم، ليكون شاملاً للإنجازات وللتراث السعودي في كافة المناطق، ثم انتقل المعرض إلى القاهرة عام 1987، ثم إلى كندا الافتتاح في مدينة مونتريال عام 1991م، ثم انتقل المعرض بعد ذلك إلى مدينة تورنتو، ثم في مقاطعة أونتاريو.
كما جسد الفقيد عبدالله الجارالله في المهرجان الوطني للتراث والثقافة - مهرجان الجنادرية - المهرجان الثقافي الذي يُقام بمدينة الرياض منذ عام 1405/ 1985 كان تحت إشراف وزارة الحرس الوطني ثم وزارة الثقافة عام 2019م ويضم المهرجان قرية متكاملة للتراث والحلي والأزياء القديمة والفولكلور الشعبي والأدوات التي كان يستخدمها الإنسان السعودي خلال 200 سنة، تجسدت جميع أعمال الجنادرية بما فيها تقديم عروض الأوبريت منذ عام 1988 وتحديداً في نسخته الخامسة بوحدة التراث الوطني، وتقوم فكرته على تجسيد صورة التلاحم الوطني بين الشعب والقيادة.
لذا من المناسب تكريم الأستاذ عبدالله الجارالله والجيل الذي عمل في زمن مبكر على وحدة التراث الوطني.