علي الخزيم
أُعيد للذاكرة مقولة متداولة لطفلة بعد عودتها من المدرسة بأول يوم دراسي (المدرسة ما تخوّف)! فكيف نَمَى لدى الصغار مفهوم الخوف والوجَل من المدرسة؟ نعم؛ يحصل هذا حينما نُبالغ بالشفقة على الصغار وما ينتج عنها من تناقض بالمبالغة بتبسيط أمر المدرسة بذهن التلميذ المقبل على أول يوم دراسي؛ والعمل طيلة الأشهر السابقة لبدء الدراسة بشحن عواطفه وذهنه ومشاعره بكل ما يحيط بالمدرسة بدءًا من عتبة باب المدرسة بالصباح الافتتاحي، مروراً بفناء المدرسة وحجراتها، إلى ما يتعلق بالمعلم والمرشد والمدير، نحثّه على هذا ونحببه إلى ذاك وننهاه عن اقتراف الممنوعات ونحذره من عصيان هذا وذاك، ونشعره بأحاديثنا بكل جلسة عائلية أن المدرسة قلعة أسرار ومخاوف ومفاجآت، وأنها تنطوي على أوامر ونواهٍ ومحذورات ومحرمات وكأنه سيدخل معتقلاً أو سجناً، حتى إذا ما اقتربت أيام دخول المدرسة وإذا بالصغير يعيش مرحلة من التّوتّر والارتباك والتَّخوف من المستقبل القريب المجهول، وربما أحاطت به الأحلام والكوابيس المزعجة أثناء النوم، وقد يصاب - أعزكم الله - بالتبول غير الإرادي نتيجة ارتفاع مؤشر القلق النفسي جراء الشحن المتزايد من الأهل فيما يتعلق بالمدرسة والدراسة!
كما لا يَحسُن تهوين أمر المدرسة لدى الصغار وأنها مجرد مكان للعب واللهو البريء والتسلية الممتعة كل صباح، وإن كان المأمول أن تكون المدرسة كما يحبها الصغار بما تحويه من عناصر الجذب المُحبَّب لهم؛ إلَّا أن الهدف التربوي التعليمي يُحتّم علينا أن نُشعِر كل تلميذ مُقبل على الدراسة أن المدرسة منزل آخر لهم؛ كل من فيه يُحبهم ويرعى شؤونهم ويحرص على تعليمهم وتهذيبهم، كما أن المدرسة تعمل على تقديم كل ما يمكن تقديمه لهم من تسلية ومرح، وأن المطلوب من التلميذ الصغير عدم الوجل والقلق من المدرسة والمعلمين الذين يحبونه ويعلمونه.
كما أن عليه أن يُقبل محباً للمدرسة شغوفاً بها وبالتعلم واللعب بفنائها، وأن التقاء العلم بالمرح والتسلية لا يتناقض فكما أن المُعلم يعلمنا ويحرص على ذلك؛ فهو أيضاً من يصاحبنا باللعب وحصص الترفيه والرياضة، فلا بد أن يُدرك الصغير من والديه أو ولي أمره هذه الحقائق التي تُبسِّط له مفهوم المدرسة ومرافقها وأهدافها النبيلة.
ولا يعني الحديث عن الاهتمام بالتلاميذ الصغار التغاضي وإهمال ما للمعلم من قيمة تربوية تعليمية إنسانية إذا ما أخلص وتفانى بعمله، المعلم هو مُرتَكز العملية التعليمية والمعلمون - ولله الحمد - بصفة عامة على قدر من المسؤولية والمقدرة والتَّمكّن، فالمعلم لا يمكن أن يُقدّم كل ما لديه إذا لم يجد بيئة مدرسية تتوافر بها كل أو أغلب مقومات العملية التعليمية التربوية التنشيطية الجاذبة للتلميذ، لا يمكن أن يصل المعلم لمرحلة الإنجاز المتفوق؛ والمدرسة لم ترق لمستوى المدرسة المثالية بأجهزتها ومرافقها المُعِينَة على تقديم الممكن خدمة لأبنائنا الطلاب من الجنسين، ولا تنجح مهمة المعلم دون مدير حصيف ناجح؛ وقيادي تربوي ماهر؛ ومرشد خبير عالي الرؤية، وبهذا يمكن أن يتحقق للناشئة ثمرة تعليمية يانعة وسط بيئة مدرسية مُحبَّبة مُشوّقة.