د. عيد بن مسعود الجهني
النظام العربي قبل ثورات عام 2011 التي تحولت إلى (خريف قاسٍ) ضعيفاً لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه، كان حبيساً للإرادة الدولية.. ومع انكسار الاتحاد السوفييتي (السابق) السريع مع نهاية عام 1991م والتحول العالمي من الثنائية القطبية إلى القطبية الأحادية انهارت معنويات بعض الأنظمة العربية التي تعلقت بأهدابه.
النظام العربي (المريض) برمته وسط التناقضات العجيبة وتعمق بذور الفرقة والتعصب المذهبي والتي لم تكن (غريبة) على هذا النظام الذي تفككت وحداته السياسية وفقد ما تبقى من حركته الديناميكية الإقليمية وتشتت جهوده وسط الخلافات الداخلية لبعض الدول العربية.
وجاء انقضاض أمريكا وإثيوبيا على الصومال (الضعيفة) في زمن لا يعترف إلا بالقوة وبعض العرب سلاحهم الشعارات الفارغة والخطب الرنانة والتهديدات الزائفة (قذف إسرائيل في البحر.. حرق نصف إسرائيل - اللي مش عاجبه يشرب من البحر).
وقبل (الربيع) أو (الخريف) الذي شعاراته كانت الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية..الخ، عقدت قمم عربية عديدة كانت بياناتها متواضعة إلى حد كبير، ونستثني منها مؤتمر الخرطوم 1967 الذي وقفت المملكة بقوة مع مصر بل إن الملك فيصل اعتبر خطاب الرئيس عبدالناصر هو بيان القمة رحمهما الله.
أما مؤتمر القمة العربية عام 1990 الذي انعقد بالقاهرة لمناصرة دولة الكويت الشقيقة، فمن المؤسف أن بعض الدول العربية انحازت ظلما وعدوانا مع المعتدي فكانت علامة (سوداء) في تاريخ النظام العربي، هذا النظام نفسه أيد بالإجماع مبادرة السلام العربية في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 التي منشأها سعودي واعترضت عليها كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية.
إذا النظام العربي بعد الثورات التي وعد أصحابها بالعدل والمساواة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، تبخرت تلك الوعود وتبدلت بسرعة البرق إلى نزاعات وصراعات وحروب أخذت لنفسها طابع الفوز بالسلطة السياسية والدينية بل والعرفية.
ونتيجة حتمية لانهيار أجهزة الدول التي اكتسحها (الربيع) فقد شبت نيران الصراعات الداخلية والحروب الأهلية في كل من بلاد الشام واليمن وليبيا والصومال لتنضم إلى ما يحدث في العراق ولبنان والسودان وبهذا الوصف المبسط أصبحت حالة الفوضى العارمة تمثل الملامح البارزة لمرحلة ما بعد (الخريف العربي).
المؤسف أن مخاطر النزاعات والصراعات والأحزاب في تلك الدول صاحبة (الخريف) تزداد يوما بعد آخر، وأصبحت تشكل أزمات معقدة اشتدت حدتها واتسع نطاقها، وفي خضم هذه الأمواج العاتية التي وقعت بتلك الدول وجد ترامب الفرصة مواتية ليعترف بالقدس الشريف عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وزاد بالاعتراف بضم الجولان السورية ومستوطنات إسرائيلية إلى الدولة العبرية.
المؤسف أيضا أن النظام العربي بعد 2011 زادت وتيرة حدة النزاعات لتنفجر في الدول التي شهدت التوترات ما عدا مصر، وتدخلت أطراف إقليمية في مقدمتها إيران، ناهيك عن التدخل الأمريكي والروسي والتركي ..الخ، الأمر الذي نقل العالم العربي ونظامه إلى حالة من التشرذم والتخبط والتضارب ليبرز بوضوح الفراغ الأمني والسياسي الخطيرين في تلك الدول لتتحول من دول فاعلة إلى فاشلة.
ومع هذا الوضع بالوصف (المبسط) يتضح أن التهديدات للنظام العربي بمجمله خطير جدا تستدعي سرعة التحرك بشكل موحد بناء على تنسيق في العمل والرؤية بين الدول العربية خاصة دول المجلس ومصر لوضع الخطط والاستراتيجيات لمواجهة التهديدات التي تمثل خطرا وتحديات للأمن القومي العربي حاضراً ومستقبلاً.
المتتبع لقضايا العرب المهمة خاصة في ميدان السياسة والاستراتيجية والتخطيط وأهمية الأمن القومي، يتضح له مثلا أن إيران وضعت لنفسها خطة منذ ثورة الخميني، تصدير الثورة وبناء قوة تمتد إلى النووية والتدخل في شئون الدول العربية وساعدها على ذلك البيت الأبيض باحتلاله العراق ليصبح لإيران (بالوكالة) وجود (قوي) في كل من العراق، سوريا، لبنان، اليمن، والروس والأمريكان والأتراك مثلا لهم خططهم في التدخل في شئون دول عربية.
أما العرب أصحاب الدين الواحد واللغة والتاريخ والحدود الواحدة، فلم توجد لهم إستراتيجية واحدة، تجمع شملهم وتقضي على تشتتهم وتحمي أمنهم واستقرارهم،كل ما يفعله النظام العربي ممثلا في (منظمته) محدودة الحيلة انه إذا ما حدثت عاصفة اعتداء على دولة عضو بالجامعة (مثلا) ينعقد مؤتمر قمة لمعالجة تلك الأزمة، وفي حالات أخرى أقل خطرا على النظام العربي ينعقد اجتماعا على مستوى الوزراء أو السفراء، وهذه وإن كانت تصدر قرارات لصالح القضية المثارة إلا أنها لا ترقى إلى كونها إستراتيجية عربية تواجه مثلا الخطر الإيراني وتردعه وتنهي وجوده في الدول التي ذكرناها آنفا.
التهديد الإيراني ضمن إستراتيجيته المحددة هو من زود الحوثيين في اليمن مثلا بكل أنواع الأسلحة التقليدية والمتطورة من طائرات بدون طيار ودبابات وصواريخ وغيرها، لهدف واحد تدمير اليمن وإسقاط نظامه السياسي المعترف به دولياً وتهديد أمن واستقرار المملكة، وهذا التهديد الإيراني بمفهومه الشامل تهديد لكل الدول العربية وما تقوم به المملكة من التصدي لهذا التهديد إنما في حقيقة أمره دفاعاً قوياً عن النظام العربي من الخليج إلى المغرب العربي.
وإذا كان العرب مقبلين على عقد مؤتمر قمة في الجزائر بلد المليون شهيد في نوفمبر المقبل بعد أن تأجل عقده مرات عدة، فإننا من واقع قراءة الواقع العربي الذي تعيش دول عديدة منه واقعاً مريراً من نزاعات وصراعات وحروب أهلية فكيف لهذه الدول أن تكون فاعلة في المؤتمر وهي بالفعل فاشلة.
ثم إن الجزائر نفسها على خلاف للأسف مع الجارة المغرب، وبهذا يكون انعقاد مؤتمر القمة مهما حسنت النية معدوم التأثير.
لذا فإن ذلك المؤتمر إذا ما عقد سيصبح كلاماً بدون أفعال وتصريحات وقرارات تتخذ ثم توضع على الرف، في ظل نظام عربي ينحدر من سيء إلى أسوأ في غياب الرؤى الصائبة والاستراتيجيات والسياسات والإرادة التي تنظر بعين فاحصة فتأخذ الدروس والعبر من الماضي وتستفيد من معطيات الحاضر للحاضر وفي نفس الوقت تستشرف الغد وتعد له عدته لتنطلق غير هيابة ولا مترددة.
وإذا كان هذا هو حال القمم العربية بين الأمس واليوم، تصدر منها قرارات طيبة وذات أهمية خاصة فيما يتعلق بالقدس والقضية الفلسطينية والتضامن العربي، لكن المواطن العربي ينتظر الأفعال لا الأقوال.
وهنا تبرز أهمية قمم دول مجلس التعاون الخليجي الذي صمد أمام كل التحديات الخطيرة منذ تأسيسه عام 1981 بينما انهارت سريعاً اتحادات أخرى.
وفي نفس الأهمية والفاعلية القمة العربية الإسلامية - الأمريكية بتاريخ 20 و21 مايو 2017 التي عقدت برعاية بلاد الحرمين الشريفين وحضرها (55) دولة عربية إسلامية ومن الجانب الأمريكي الرئيس الأمريكي السابق ترامب، فقد كانت قمة ذات أهمية وفعالية كبيرتين.
ولا تقل القمة العربية - الأمريكية التي عقدت بمدينة جدة بتاريخ 16 يوليو 2022م وحضرها إلى جانب قادة دول المجلس كل من قادة مصر والأردن والعراق، أهمية عن القمة الأولى، فما صدر عن القمتين من قرارات تعد في علم السياسة والإستراتيجية والعسكرية، والنفط والاستثمار ومحاربة الإرهاب قرارات تاريخية تصب في مضمون المصالح العربية والإسلامية والأمريكية المشتركة.
هذه القمم المهمة عقدت في زمن متغيرات دولية غاية في الخطورة، كانت قراراتها تصب في دعم المصالح العربية والإسلامية والأمريكية والدولية.
وكل عربي ومسلم يتمنى أن تتوحد أمته وتعود الحياة لجامعته وتنعقد قمم تخدم مصالحه وأمنه واستقراره.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة