عثمان بن حمد أباالخيل
حياة الإنسان عالم من الأسرار لا يعلمها إلا الله، وكل إنسان في هذه الدنيا لديه أسرار شخصية تختلف من إنسان إلى آخر. وفي المقابل هناك من يفضحون أسرارهم ولا سر لهم حالهم حال المنخل (الغربال). ويعلنون أسرار غيرهم. وكلمة خفِيَ/ خفِيَ على/ خفِيَ عن يَخفَى، اخْفَ، خَفاءً وخِفْيةً وخُفْيَةً، فهو خافٍ وخَفِيٌّ وهي خافيةٌ والجمع: خَفَايا، والمفعول مَخْفِيّ عليه. وفي حالة انبهار الإنسان من معرفة سر أو خبر يقول: وما خَفي كانَ أعظمْ. وهذه لها قصة.
تحولت تفاصيل حياتنا اليومية إلى أرقام سرية في مختلف تفاصيلها من منا لا يحتفظ في جهازه الجوال أو محفظة أو ذاكرته عشرات الأرقام السرية التي تُسهّل إنجاز متطلبات الحياة اليومية ابتداءً من الرقم السري الذي يفتح جهازه الجوال والرقم السري للصراف والجوال والبطاقات الائتمانية والدخول لمواقع البنوك والأسهم والمواقع الإلكترونية وفتح باب السيارة وحقيبة السفر والرسيفرات والأرقام السرية للأجهزة. هذه أمثلة قليلة هناك الكثير والكثير التي تملأ حياتنا، ولم يقتصر الأمر على حياتنا اليومية، بل تعدى ذلك لشتي صور الحياة وعلى جميع المستويات.
تحولت حياتنا إلى أرقام سرية لماذا؟ لماذا نخاف ونغضب حين نفقد أو ننسى رقماً سرياً؟ لماذا تحوّلت حياتنا إلى أرقام سرية؟ الزوج يخفي أرقاماً سرية عن زوجته، الزوجة كذلك تخفي أرقاماً سرية عن زوجها، الوالد يخفي أرقاماً سرية عن أبنائه وبناته والأم كذلك. معظم ما يحيط بنا تحوّل إلى عالم من الأرقام السرية، هل اختلفت القيم والمفاهيم وتغيَّرتْ أم هي ضريبة الثورة التكنولوجية التي ننعم بها؟ هل الأرقام السرية تعني الخصوصية؟ الإجابة ببساطة نعم، كل إنسان لديه أسرار في حياته تحتاج إلى رقم سري يخفيه عن الآخرين حتى عن أقرب الناس إلى قلبه. في القديم ليس القديم البعيد كانت حياتنا بسيطة سهلة تخلو من تعقيدات الحياة العصرية والأرقام السرية ولستُ أدري إلى أين نحن متجهون خلال السنوات القادمة ترى هل تتغيَّر الأرقام السرية إلى صرعة جديدة في عالم التكنولوجيا التي تكبّلنا وتكبّل عقولنا؟ جميل وجميل جداً أنْ نتعامل مع منتجات التقنية العصرية لكن مع الاحتفاظ بكل القيم الإنسانية المغروسة في أعماق كل إنسان. همسة في إذن كل من يقرأ موضوعي تلفّت من حولك وأبحث تجد الكثير والكثير من سئموا الأرقام السرية وكثرتها لكنه شر أم خير لست أدري لا بد منه مع تطور الحياة وتغيّر المفاهيم، أليس كذلك؟ أحياناً كثيرة نقبل أشياء كثيرة في حياتنا رغم قناعتنا بعدم جدواها لكنها تجبرنا على قبولها والتكيّف والتعامل معها. وما خَفي كانَ أعظم.
الإنسان يتألم كثيراً حين يُفشي سراً من أسراره، فغالبية الناس تحتفظ بأسرار شخصية سواء أكانت أسراراً سلبية أم إيجابية ولا يريد أحداً أن يطلع عليها. وهناك مقوله مفادها: (كل سر جاوز الاثنين شاع). شخصياً أقول كل سر جاوز الإنسان شاع. وما أروع ما قاله عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلُّ امرئ مفتاح سرِّه).
أخيراً وما خَفي كانَ أعظم، الله وحده يعلم ما خفي وليس من المقبول أنْ تذيع سر إنسان أسرَّ لك بسرِّه. يقول الشاعر:
إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا
عليك، وأبدوا منك ما كان يُسترُ