ليس ثمة كتاب يتأمل جذور القومية في صيغتها الحالية أفضل من الكتاب الذي كتبه بندكت أندرسون بعنوان «الجماعات المتخيّلة»، حيث وضح في ثناياه أن القومية ما هي إلا جماعات متخيّلة في أذهان أتباعها لتصبح القومية من ضرورات العصر الحديث للفرد أي بالانتماء إلى قومية ما. في مطرح آخر، لفت أندرسون أن القومية برزت مع تأسيس منظمة «عصبة الأمم» حيث أتت الأمم مرتدية زيّ القومية، مؤكدًا أن القومية تم تكريسها من خلال انتشار الطباعة التي ساعدت بصهر اللهجات لتتوحد اللغة بجانب أدوات أخرى أسهمت بتكريسها مثل التعداد السكاني على رقعة جغرافية معينة وإنشاء المتاحف والنصب التذكاري للجندي المجهول.. وهلمّ جرًّا. بعد حوالي مرور أربعة عقود على كتابة الكتاب، في تفاصيل لا مكان لسردها هنا حول العناوين الرئيسية للكتاب، يتبادر إلى الذهن الصيغة الجديدة للجماعات المتخيّلة، كما يسميها أندرسون، في العصر الراهن لتصبح -إن صح التعبير- بـ»جماعة متخيّلة واحدة». برأيي الشخصي، أن محاولات تبني الليبرالية اليسارية في واشنطن على وجه التحديد وحماسها لفكرة ما يسمى بـ»تصدير القيم الأمريكية» أتى في سياق محاولة خبيثة لاستخدام مفهوم «الجماعات المتخيلة» وتطوير المفهوم من خلال استخدام الأدوات الحديثة بهدف تفكيك الجماعات وصهرها ضمن قالب واحد أملًا في الوصول إلى الفكرة الطموحة جدًا جدًا وغير الواقعية للفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكاياما بقوله: إن نهاية الحرب الباردة وهدم سور برلين واندثار حلف وارسو سيحلّ مكانه -برأيه- قيم الليبرالية والديمقراطية الغربية، وذلك للوصول إلى الهدف الإستراتيجي في تقديري وهو «الحكومة العالمية» التي بدورها «جماعة متخيّلة واحدة» تصهر الأمم تحت رايتها إن صح الوصف.