الأمانة مطلبٌ للإدارة والقيادة، وهي أحد أسس الحياة السليمة، فهي مطلوبةٌ في التعامل الأسري والعائلي وفي الحياة الزوجية، وهي أهم ما تكون في المجال «الإداري» بين الرؤساء والمرؤوسين ونحو ذلك؛ لذا يجب على من تَسَلَّمَ هذه الثقة والمنصب الإداري ألا يُفرِّق بين موظفٍ وآخر، سواءٌ تعلّقَ ذلك بالخلفيات والقناعات أو عند حلّ النزاعات والصراعات بين عناصر المنظمة الواحدة، أما ما كان من تَفْرِقَةٍ في الامتيازات فلا بأس به في هذا الصدد، وهذا هو الإنصاف الإداري، وعليه فمن حق المدير أن يعطي امتيازاتٍ لمن يراه أهلاً لذلك من باب التنافس الشريف والبنّاء، الذي يُفضي إلى تطوّر المنظومة ويخدمها لتنمو بطريقةٍ سليمة.
وبالإشارة للنزاعات والصراعات بين الموظفين أو عناصر المنظمة الواحدة، يُمكننا القول إنّه ينبغي خلال حلّها التشديد على عدم التطرّق لأيّ مواضيع جانبية كالمحسوبية وأقدمية أحد الموظفين وخلفياتهم الثقافية وتَراتُبِيَتِهِم -أي موقع كل من الطرفين داخل المنظمة- ... إلخ من الحسابات الشخصية وغير الموضوعية عموماً، بل ينبغي وُجوباً التركيز على صلب موضوع الخِلاف وجُذوره لمُحاولة الوصول لحلٍ عملي بغض النظر عمَّا سِوى الأصل ولُبّ الإشكال؛ وهنا يبرُزُ دور المدير المنصف وصاحب الأمانة المهنية الذي يهدفُ لصالحِ المنظمة وأهدافها الرئيسية، وحول ذات السياق -النزاعات والصراعات الإدارية- نجد كتاب «النزاع في بيئة العمل بين الإيجابية والسلبية» يُفصّل في أغلب نقاط الموضوع، حيث ذُكِرت فيه عدد من النقاط الإيجابية والسلبية ذات الصلة.
لكن ماذا إذا كان المدير أو المسؤول ضعيف الشخصية أو متقلّبَ المزاج؟ أو يتعامل بعنصريةٍ! ولم يُنصفك في مشكلتك أو كان تدخله بحُسن نيةٍ وجميلِ تعامل لكنه مُتعب لك باعتبارك طرفاً في النزاع ما ينعكس عليك وعلى زملائك أو أهلك أو المحيطين بك سلباً أو على كُلّهم!
فإذا ما نتحدث عنه هنا هو مفهوم «المزاجية الإدارية» فلقد تردد هذا المصطلح في الآونة الأخيرة، وقد فصّل فيه «د. عبد الله بن سليمان العمار» في هذه الجريدة الموقرة بمقال له بعنوان (الإدارة بالمزاج) نقتبس منه بعض المسميات والمصطلحات ومنها كما يصنفه الإداريون بالمسميات الإدارية الحديثة التي ظهرت وذُكرت عند بعض مؤلفي كتب الإدارة المختصين:
الإدارة: «بالاستثناء، بالتوجيه، بالإرهاق، بالتفويض، بالسمعة، بالتخويف..»
لذا على كُلٍّ من الأساتذة والرؤساء والمدراء أن يعدلوا في أحكامهم الوظيفية بغض النظر عن المعايير الخاطئة التي ذكرناها آنفاً ومنها «المحسوبية، المزاجية، العنصرية، النفعية الشخصية، الشخصنة..» للحفاظ على مُكتسبات المنظمة وتطويرها، وبخاصة معيار المزاجية العامل الأكثر تأثراً على كل هذا، لأنه أمرٌ يشتركُ فيه الجميع تقريباً، ذلك أننا لا يُمكن أن نتحكّم كُلياً في مزاجنا اليومي بدءاً من المنزل ثم الشارع وصولاً لمقر العمل، لكن الأجدر هو مُحاولة تقليل تأثيرها أي المزاجية على أحكامنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا بالآخرين، وإلا أصبح لدينا (مجتمع مزاجي) يُعاني من انفصام في الشخصية العامة وازدواجية في المعايير، وفي النهاية وبالرجوع للسبب نجد جُزءاً كبيراً من ذلك بسبب السلوك الخاطئ للمُدير المُؤتمن أساساً!
فيا أخي المُدير أو من أوكلك الله بمسؤولية احرص على ألا تُحقّرَ أحداً على منصِبُه أو انخفض، فالحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَعْ، واعلم أنّ أعلى مراتِب الجنةِ حُسن الخُلق، فأنت اليوم لست مُديراً فقط تتخذ قراراتٍ ما تنفُذُ إدارياً ثم لا شيء بعدها! بل أنت في مكانٍ يُقتدى بك من باقي الموظفين حتى وإن لم تُلاحظ ذلك.
ومما يُعزّز هذا الطرح ويُقوّيه دراسةٌ علمية تُبين تأثير مزاج الفرد على المُحيطين به، ومنهم من يعمل أو يتعامل معه مباشرة فإما سعادةٌ وتحفيز أو تعاسةٌ وشقاء فخمولٌ وجمود..
وقبل الختام أُشدّدُ مرة أخرى على وُجوب مُراعاة المسؤول ظروف الموظفين وما ذكرنا أعلاه لتجنب اتخاذ قرارات قاسية وغير عادلة، تعود بالضرر على الجميع وإن بدا العكس، مع استثناءات قليلة فيما يخص كلمة قاسية التي قد تكون أحياناً ضرورية للردع أو التخويف والزجر، كنظام البصمة الذي أقرته الدولة أيَّدها الله، هذا الأخير يتماشى مع الحوكمة الإلكترونية فينفذ على عدد من الموظفين، مع مراعاة أن البقية يكون اتجاهها حزمٌ في التأخير في الدقيقة الأولى، ولا تُراعى المرونة التي ينص عليها نظام الدولة وصرحت به وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، فالأمر متروكٌ تقديره لصاحب الصلاحية أو ما يراه مُناسبًا، ولقد نصَّ النظام لها، دعماً ومراعاةً للحركة المرورية في أوقات الدراسة والدوام ونحوه وعدم وجود ازدحام في المداخل والمخارج للوزارات والهيئات والمؤسسات.