خالد بن حمد المالك
أخطأ مقتدى الصدر حين اعتزل السياسة، وحين طلب من المنتمين لتياره وقف اعتصامهم، وأن عليهم الانسحاب من مواقعهم في المنطقة الخضراء، وإن لم يستجيبوا خلال ساعات فإنه سوف يتبرأ منهم، ما جعلهم ينسحبون من محيط مجلس النواب، وكانوا قبل ذلك قد انسحبوا من القصر الجمهوري.
**
قرار مقتدى الصدر شجَّع الجيش وقوى الأمن إلى استخدام القوة مع من تأخر في الانسحاب والعودة إلى منازلهم، فكان القتلى والجرحى، والخروج عن سلمية المظاهرات التي يقرها الدستور، وكان يمكن لمقتدى الصدر أن يحقق بعض المكاسب لو أنه أصرَّ على تنفيذ شروطه بالحوار، باستخدام شعبيته ونفوذه على شريحة كبيرة من المواطنين.
**
صحيح أن الإطار التنسيقي الذي يمثل عدداً من التنظيمات ردَّ على تظاهرات التيار الصدري بأخذ مواقع له في الجسر المعلَّق، إلا أن تأثيره لم يكن بحجم تأثير التيار الصدري، فقد تفوَّق الصدريون كونهم يطالبون بالإصلاح، والقضاء على الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة، وتعديل الدستور، والنأي بالتبعية لدولة أخرى، بينما التنسيقيون لا ينطلقون من أجندة تُرضي الشارع الذي يعاني من تراكمات الممارسات الخاطئة في إدارة شؤون البلاد.
**
أقول أخطأ مقتدى الصدر، لأنه بقرار الاعتزال، وتحجيم دور تياره في التغيير، زاد من قوة ونفوذ منافسيه، خصوصاً أنه قد اتخذ خطوات سابقة لصالح الإطار التنسيقي حين طلب من أعضاء التيار الصدري الانسحاب من عضويتهم في مجلس النواب، ليشغلها عناصر من الجانب المنافس، بمعنى أنه رمى بكل الأوراق التي كانت تخدم حزبه لصالح خدمة الأحزاب المنافسة.
**
إذاً ماذا بقي لدى الصدر، وقد انسحب من العمل السياسي، غير أن يقبل بما سيؤول إليه قراره من نتائج لصالح الإطار التنسيقي خصوصًا بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم الاختصاص في حل البرلمان وهي آخر أوراقه في هذا المشهد، وإصرار التنسيقي على عقد اجتماع للبرلمان، واختيار رئيس للجمهورية بعد أن توصل الأكراد إلى توافق - على ما يبدو - على تسميته، وإصرار الإطار التنسيقي على أن يكون (السوداني) هو رئيس الوزراء القادم، وهو ما كان يرفضه مقتدى الصدر لكن رفضه الآن غيرَه من قبل من حيث التأثير وتفهم الطرف الآخر.
**
يهمنا استقرار العراق وأمنه، وخروجه من النفق المظلم، وأن يتعافى من مآسيه، وأن يعود إلى قاعدته العربية، وأن يتولى زمامه وإدارة شؤونه من تبرأ به الذمة، وأن يُحصر السلاح بالجيش وأمن الدولة، فقد عانى شعب العراق الشقيق، وحق له أن يعيش آمناً ومستقراً، ويتخلص من المفسدين الذين أكلوا ثروات البلاد، مستغلين الأوضاع السيئة التي يمر بها العراق الشقيق.
**
تذكروا أن العراق أحد المنتجين الرئيسيين للنفط، وأن نهري دجلة والفرات يمران بهذه البلاد، وأن العراق يتمتع بعناصر كثيرة من الكفاءات ذات المستوى العالي في التعليم والتخصص، وأي خلافات بمثل ما يحدث اليوم لا يخدم العراق ولا العراقيين، وقد آن الأوان ليعود العراق قوياً، مستفيداً من ماضيه المجيد، وتاريخه المشرِّف، وثرواته الطبيعية.