عطية محمد عطية عقيلان
منذ القدم والإنسان يستفيد من «الكلب» في كافة مناحي حياته، بدءاً من مساعدته في الصيد عبر مطاردة الفرائس وصيدها، ومرافقة أغنامه عند الرعي لحمايتها والتصدي لأي عدوان عليها من الذئاب والوحوش، وقد حرص العرب قديماً على وجود كلب الحراسة في مضاربهم للتنبيه من أي دخيل أو لص، وارتبط ذكر الكلب بالوفاء والإخلاص لصاحبه سواء في حراسته أو حماية أملاكه من التعدي والهجوم دون انتظار مقابل، فالشاعر الكسندر بوب يقول» يحتوي التاريخ على أمثلة عن إخلاص الكلاب أكثر مما فيه من أمثلة عن أخلاص الأصدقاء»، كذلك السياسي الفرنسي شارل ديقول، يقول: «كلما عرفت الرجال بشكل أفضل، وجدت نفسي أحب الكلاب أكثر». ورغم كل ما يذكر عن محاسن وصفات من إخلاص ووفاء وعمل للكلب إلا أن تعامل الإنسان معه خاصة كلب الصيد بها غرابة وتعجب كبير، فبعد إعانته في الإمساك بالطرائد أو إحضار ما تم صيده بالبنادق، وتعرضه للمخاطر والتعب، إلا أن «كلب الصيد» لا يناله منها شيء، بل تذهب إلى الصياد، مهما بذل الكلب من جهد وتعب، ورغم أن تربية الكلاب واقتنائها ارتبطت «بالتمدن» والبرسيتج العالي والتباهي باقتناء ووجود نوعيات جميلة أو نادرة، مع تنوع خياراتها بين الضخم والصغير والشرس والأليف، وذكر محاسنها ووفائها لأصحابها، ولكنه في النهاية يتعب ويجتهد لغيره ويكون حتى صيده الذي يتعب به لصاحبه.
عدوى كلب الصيد، وما يحدث معه، تصيب الكثير منا، في حياته من خلال الإفراط في الانشغال في حياته وسعيه المستمر في العمل، وتلبية احتياجات وكماليات أبنائه ومن حوله، وتناسي نفسه، وتأجيل استمتاعه بما حققه ومكافئة نفسه على ذلك، مع القلق المستمر من المستقبل، ليتافجأ بالنهاية، أن الوقت سرقه وأنشغل على إسعاد نفسه وممارسة ما يحب، لأنه استمر في العمل ولم يكن هناك وقت لأن يمارس أو يفعل ما يحب، لذا سيطرة الأفكار السلبية يجعلنا، لا نتوقف عن العمل المستمر، ويشغلنا عن تحقيق هواياتنا وما يسعدنا، وفي كلمة للدكتور ارون بيك، والذي يعتبر الأب للعلاج المعرفي والسلوكي، حيث يقول «العلاج المعرفي، هو أن تكون إنسانياً، ومتفائلا، وأن تتعاطف مع الناس وتتواصل معهم، وأن تتحلَّى بالتفاؤل، تجاه حياتك»، مع تأكيده أنه يمكن أن يتعلم الإنسان التفاؤل، وأن لكل شيء يحدث مع الإنسان جانباً إيجابياً وآخر سلبي، وأن كان الجانب السلبي، هو الذي يستحوذ على الإنسان في البداية ولكن مع التدريب، يمكن التركيز على الطابع الإيجابي، وضرب مثال أنه إذا أتصل على صديق ولم يرد عليه، فيقول في نفسه، هذا جيد لأنه على الأرجح مشغول جداً، وهذا شيء جيد بالنسبة له، ويؤكد أنه مسألة اختيار مكان التركيز هي العامل المؤثّر في النظر للأشياء، والناس المكتئبون بطبيعة الحال، يميليون إلى التركيز نحو السلبيات، لذا جزء من العلاج الذي يقدمه هو «مبدأ الإتقان والبهجة» والتركيز على ما أنجزته وتنجزه، وتحدث عن أن الناس عادة يميلون جينياً، نحو إعطاء السلبيات أهمية أكثر من الإيجابيات، لذا العقل يحتاج التدريب ليركز على ما هو جيد، وما ستجده أن الأشياء الجيدة تحدث أكثر، من الأشياء السيئة، ولكن الأمور السيئة تميل نحو حجب الأمور الجيدة، فهي مسألة موضوع التركيز، وهي نصيحة منه، وخلاصة خبرته الطويلة في المعالجة النفسية.
خاتمة: أجمل ما في الحياة التفاؤل والأمل، وبأن الغدو دوماً أفضل، يقول الطغرائي المتوفى سنة 514 هجرية من قصيدته»لامية العجم»، هذا البيت الشهير:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل