محمد سليمان العنقري
السوق الاستهلاكية للمملكة هي الأكبر عربياً وتتجاوز بحجمها قرابة خمسمائة مليار ريال سنوياً ومن أهم الأنشطة فيه قطاع بيع السيارات الذي يمثل حوالي 34 بالمائة من حجم سوق السيارات بكافة الدول العربية مجتمعة, ويقارب عدد السيارات المباعة سنوياً حوالي 600 ألف, ونظراً لما تكتسبه هذه السوق من أهمية وحجم ضخم حيث لا تنحصر منافع النشاط بالتوزيع بل بالصيانة وقطع الغيار التي تحقق هوامش ربح عالية, فالسوق قد يتجاوز حجمه الـ50 مليار ريال على أقل تقدير بمختلف خدماته, وهناك عوامل عديدة تخدم استمرار قوة هذا القطاع ونموه منها النمو السكاني وقوة الاقتصاد السعودي وطبيعة الاستخدام المكثف للمركبات الخاصة, وضعف دور النقل العام ووجود بنى تحتية متقدمة من طرق ومرافق تخدم المركبات بالإضافة للخدمات الأخرى كالتمويل والتأمين ويسر اقتناء المركبات.
وبما لهذا القطاع من حصة وأهمية كبيرة بسوق التجزئة والاقتصاد عموماً فقد نشرت هيئة المنافسة نتائج دراستها لقطاع بيع السيارات وخدماته باعتبار أنها الجهة المعنية بالإشراف على «تطبيق نظام المنافسة السعودي « وقد خلصت النتائج إلى احتمالية عالية لوجود بعض الممارسات الاحتكارية المناهضة للمنافسة العادلة في القطاع والأسواق ذات الصلة، فالدراسة كانت مبنية على مقارنة مع أسواق مرجعية لدول مجاورة وتبين أن هوامش الربح بسوق المملكة أعلى من نظيراتها بدول أخرى محل المقارنة بالدراسة, وقد أظهرت النتائج العديد من الأسباب من بينها الاتفاقيات الحصرية المبرمة بين مصنعي السيارات ووكلاء التوزيع المحليين, فقوة هؤلاء الموزعين الحصريين تضعف إمكانية دخول أي منافس لهم بالسوق, حيث إنه لا يمكن أن يتمتعوا بنفس مزايا الموزع الحصري، كما أن هوامش الربح المرتفعة والتي تفوق بيع السيارات بخدمات مابعد البيع من قطع غيار وخدمات الصيانة تمثل إشكالية أخرى « فوجود مؤشرات على احتمال إساءة استغلال الوضع المهيمن من قبل مصنعي المعدات الأصلية أو الموزعين من خلال إلغاء ضمان السيارات عندما يتم إصلاحها لدى ورش الإصلاح المستقلة: حيث تحقق خدمات ما بعد البيع هوامش أرباح أعلى من مبيعات السيارات، مما يجعل لدى مصنعي المعدات الأصلية أو الموزعين الحافز لربط خدمات الصيانة للعملاء بالمراكز المعتمدة لديهم فقط خلال فترة الضمان « وذلك وفق ما ذكر بالدراسة، ولكن بالمقابل لابد من ذكر أن ما يضخه الوكلاء من أموال ضخمة على خدمات البيع من صالات ومستودعات وكذلك مراكز صيانة ضخمة قد لا تتوفر تلك الإمكانيات لأي طرف يرغب بدخول السوق خصوصاً أن للشركات المصنعة اشتراطات عديدة لمنح وكالة توزيع حصرية مما يتطلب عمقاً بمعالجة مثل هذه التحديات أمام من يرغب بالعمل كموزع، أما ما يتعلق بإلغاء الضمان في حال إصلاح المركبة بورش مستقلة فنسمع تبريراً من بعض الوكالات بأنهم ليسوا مسؤولين عن ما قد تحدثه هذه الورش من خلل بالمركبة والتي لا تتبع معايير مهنية تشترطها الشركات المصنعة على تجهيزات الورش وكذلك الشك بمستوى تأهيل العمالة وهو أمر أيضاً يتطلب علاجاً تنظيمياً لمنع إلغاء الضمان لمثل هذه الاحتمالات فقد تتعطل مركبة تحت الضمان خارج المدينة التي تتوفر فيها ورش للوكيل ولا يوجد حل إلا بإصلاحها من ورش في محطات الطرق أو إذا كان العميل بمدينة لا توجد بها فروع صيانة للكيل الحصري.
كما ذكر من بين النتائج ان امتلاك الموزعون عدة علامات تجارية متنافسة يخلق احتمالية لزيادة القوة السوقية في أسعار البيع بالتجزئة أو أسعار مبيعات أسطول السيارات: حيث قـد يدعـي الموزعـون أن كل علامة تجارية يمثلونها تعد منفصلة تماما عن العلامات التجارية الأخرى مما يسمح بتحقيق قوة سوقية أعلى للموزع نفسه، كما ذكر بالدراسة « وجود بعض اللوائح التي تخلق حواجز للمنافسة في السوق، كالتي تحتوي على إجـراءات تضيف قيـودا معينة على توريد قطع غيار السيارات التي تحمل علامـة الشركة المصنعة: بحيث لا يجوز للموردين إلا الاستيراد من الشركات المصنعة للمعدات الأصلية أو موزعيهم فقط مما يقلل من عدد الموردين المحتملين، كما لا يجوز للموردين الجمع بين نشاط توريد قطع الغيار الأصلية وتوريد قطع الغيار البديلة» بالاضافة لنتائج اخرى تدعم ما خلصت له الدراسة من ارتفاع هوامش الربح عن الاسواق المقارنة بالدراسة واحتمالية وجود بعض اوجه الاحتكار وقدمت الهيئة ثلاثة توصيات لمعالجة الخلل بالسوق كما اظهرته الدراسة وهي ،
تعزيز إنفاذ نظام المنافسة بالتركيز على السلوكيات المناهضة للمنافسة والحد من انتشارها عبر سلسلة القيمة، دعم السياسات من خلال معالجة التداخلات أو التعارضات في سياسات وأنظمة الجهات المنظمة للقطاع والأسواق الثانوية ، التحضير للمستقبل بتقديم مجموعة من الإرشادات الداعمة لدور الهيئة العامة للمنافسة في تشجيع المنافسة العادلة في قطاع السيارات
كل الشكر للهيئة العامة للمنافسة على نشرها لنتائج هذه الدراسة للعموم لرفع درجة الوعي بما يدور في السوق الاستهلاكية بالمملكة بنشاط قطاع السيارات والتي يمكن من خلالها الوصول لاجابات على تساؤلات المستهلكين على ما يلحظونه من فروق بالاسعار مع اسواق اخرى او ما يتداوله البعض من نشر لمعلومات عن تجاربهم بشراء مركبات او قطع غيار من الخارج باسعار اقل من السوق المحلي فنتائج هذه الدراسة لابد وان يكون لها تاثير مستقبلي على تعزيز المنافسة بالسوق وهو ما سينعكس على الاسعار والخدمات والوعي وكذلك التحرك لوضع الحلول التي تحد من اي ممارسات احتكارية محتملة سواء بقطاع السيارات او غيره ، وبالتأكيد المستهلك بانتظار دراسات مشابهة للقطاعات الحيوية من حيث الحجم والاهمية كقطاع الاجهزة الكهربائية والالكترونية والادوية والعديد من الخدمات الأساسية التي يقدمها القطاع الخاص كالصحة والتعليم