رمضان جريدي العنزي
البعض يحب المدح بلا حد ولا سقف، يحب الإطراء والثناء والإشادة، يبذل قصارى جهده من أجل أن يقول عنه الآخرون قصائد المدح، ونثر الإشادة، والرقص له والتطبيل والتصوير، لا يمل ولا يكل ولا يشبع ولا يرتوي من المدح وفلاشات التصوير، شغوف به حد اللامعقول، يعمل أي شيء من أجل كسب الأماديح وإن كان وفق رياء مذموم، ونفاق شائن، وتلون حقير، ومثل ما يحب المدح حد اللامنطق، فإنه لا يطيق النقد الهادف البناء ولا يرضى به، بل يعتبره انتقاصاً لشخصه، لقد بلغ به الاعتزاز بنفسه حداً لا يصدق، حتى جعل من نفسه فوق النقد والتصويب, إن الإحساس بالنقص والفقد والخسارة يجعله غير سعيدٍ، وغير راضٍ عن الآخرين، ويحاول أن يكون دائماً بالصورة، ولكونه لا يملك فكراً نيراً، ولا عقلاً مميزاً، ولا بصيرة ثاقبة، ولا حكمة بالغة، ولا عنده عميق فهم وإدراك، لهذا فهو مثل الخفاش لا يحب أن يراه أحدٌ في النهار، ويقترب دائماً من الدراويش في الليل ليتسلى معهم ويضحك، إن الدرويش لا يحب سوى الخفافيش، يستأنس بهم يحادثهم ويسامرهم ويتودد لهم، لأن العقلية واحدة، والمفهوم واحد، والإدراك متطابق، إن هذا البعض من الناس يتلون ويتقمص أدواراً لا تليق به، لا من أجل هدف سامٍ، وموضوع راقٍ، لكن من أجل الحضور فقط، ولفت الانتباه، والتغطية على العجز، إنه يريد أن يبني مجداً على حساب الآخرين، من خلال الأفعال العبثية، والأدوار البهلوانية، إن التحجر العقلي إذا رافق الخرافة يجعل من الإنسان متخلفاً عن الركب الحضاري والمنطقي والعقلي، إن آفة حب الذات تؤدي لجنون العظمة، الذي يفقده العقل الناضج الكامل، إن تجاوز الحدود يصل بالنفس إلى حدود الانتفاخ والغرور والاستعلاء، حتى يصبح الشخص لا يرضى بكل شيء سوى ما يعمله ويقوم به ويرغبه.
إن الذوات التي يعانقها النبل والعطاء، وتحركها الهمة العالية، تنهض بالأعباء الكبيرة، والمهام الجسام، ولا ترضى بالدونية وصغائر الأمور وتوافه الأشياء ومصاحبة الأشقياء من أصحاب الهمم القاصرة والأهداف الدونية والمتسولين على أبواب المناسبات، إن الذي يظل مسكوناً بالأوهام، والحنين للماضي، لن يفيد شيئاً، ولن يغير حالاً، ولن يبدل موقفاً، بل على الإنسان العاقل الحصيف بدلاً من الركض مع الزواحف، والطيران مع الحشرات، أن يعي معنى السلامة والكرامة، ولا يهتم لضجيج المنافقين والطبالين وأصحاب المزامير، وأن يثأر لنفسه ويرتاح في أركان الهدوء، وزوايا السعادة، بعيداً عن الأحلام المزعجة، والكوابيس المخيفة، والخفافيش المقيتة، وأن يدرك بأن الزمن قد تعداه بمراحل عدة، ولن يعود كما كان، وإن تمنى وابتغى وأراد، وعليه أن يترجل بمحض إرادته، لفرسان الفعل الجاد، والعمل الهادئ، وعليه أخيراً أن لا يقع فريسة المدح والتطبيل، وأن يبتعد كثيراً عن مصاحبة الخفافيش الذين لا يرون الحياة إلا وفق مصالحهم الشخصية الضيقة، وأطماعهم الدنيوية.