العقيد م. محمد بن فراج الشهري
نعم الاتفاق النووي مع إيران لا يبشر بخير للأمن والسلم العالميين ولدول الشرق الأوسط، ودول الخليج بالذات، فهو تكرار لاتفاق 2015م ولا جديد فيه بل هو يكرس الغطرسة الإيرانية، ويقوي تمددها وتخريبها.. إذاً فما الفائدة من هذه الاتفاقية التي وإن تمت ستمنح إيران «100 مليار دولار سنوياً؟»، وهذه الأموال لن تذهب للشعب الإيراني الذي يفتقد كل مستلزمات الحياة الشريفة، بل ستذهب للحرس الثوري، وفيلق القدس، وحزب الشيطان، والحشد العراقي، وزمرة الحوثي، وسرايا الأشتر بالبحرين، وخراب العراق, وغير ذلك من عصابات القتل والتدمير.
وكنا متفائلين عندما اتخذ (ترامب) خطوة رئيسية أولى نحو تقويض الاتفاق النووي عندما رفض المصادقة على الاتفاق على أساس أن العقوبات التي علقها لم تكن متناسبة مع الخطوات النووية التي اتخذتها إيران، وبضغوط من معظم أعضاء حكومته، الذين جادلوا بأن الانسحاب من الاتفاق سيكون مكلفاً دبلوماسياً، استمر بتمديد تعليق العقوبات، غير أن الإدارة فرضت عقوبات اقتصادية أخرى وحضت الشركات الدولية على عدم التعامل مع إيران، وبذلك وضعت طهران في موقع غير مريح بحيث يترتب عليها الالتزام بالقيود النووية الواردة في الاتفاق بينما تستفيد جزئياً فقط من مكافآته الاقتصادية، كما كلف ترامب الكونغرس إصدار تشريعات من شأنها تغيير بنود الاتفاق بشكل أحادي على حد تعبير بعض أنصاره، لكن رسالته كانت واضحة، مفادها إما أن تصلحوا الاتفاق أو سأدمره..
لكن في عهد الرئيس (جو بايدن) لا هو عدّل الخلل الذي يغذي هذا الاتفاق ولا هو دمره بل أعاده إلى نفس اتفاق يوليو عام 2015م، بين إيران ومجموعة (5 + 1) وهم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن الدولي (الصين، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، وأمريكا)، بالإضافة إلى ألمانيا، والإتحاد الأوروبي.. ونص الاتفاق على تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، وبعد وصول (ترامب) للرئاسة أعلن انسحاب أمريكا من هذا الاتفاق لأنه وبكل صراحة لا يفي بالغرض المطلوب بل على العكس زاد إيران قوة ومالاً واستلمت إيران على ضوئه مليارات المليارات من مما كان موقوفاً سابقاً، وذهبت لتخريب دول المنطقة وكثير من دول العالم.
وبعد وصول جو بايدن للرئاسة كثر الأخذ والرد حول هذه الاتفاقية، وثبت أن إيران لم تلتزم بأهم بنودها رغم النقص الذي يعتري هذا الاتفاق، ثم بعد كل ذلك تأتي أمريكا بشروط على الاتفاق الجديد لاتسمن ولا تغني من جوع يعني مثل ما يقول المثل الشعبي (صُبَّة ردّة)، هناك عيوب واضحة وخلل في هذا الاتفاق وهذه العيوب تتلخص في عدة أمور مهمة منها:
أولاً : (بند الغروب) يعتبر هذا البند «الخلل الأكثر وضوحاً» فالاتفاق الموقع في فيينا بين طهران والقوى الكبرى لضمان أن البرنامج النووي الإيراني لايهدف إلى صنع القنبلة الذرية يتضمن عبارة بالإنجليزية هي (بند الغروب) (Sunset Glows) تنص على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجياً اعتباراً من 2025م، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون (Rex Tillerson) أن هذا الأمر لايؤدي سوى إلى إرجاء المشكلة إلى وقت لاحق، قائلاً: «يمكننا تقريباً البدء بالعد العكسي للحظة التي سيتمكنون فيها من استئناف قدراتهم النووية»، وبالتالي فإنه لا يجدي سوى إطالة أمد القيود بشكل دائم.
ثانياً : (آليات مراقبة وتفتيش غير كافية) فقد سبق أن طالبت سفيرة الولايات المتحدة سابقاً ما لي: الوكالة الدولية للطاقة النووية المكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق، بالقيام بعمليات تفتيش أوسع نطاقاً وأقوى في مواقع عسكرية عدة وهو ما لم يتم حتى الآن وإيران تلاحقها الشكوك إذ تكون تحتفظ ببرنامج نووي عسكري سري رغم كل التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثالثاً: (اتفاق فضفاض) سبق أن استخدمت نيكي هالي هذه العبارة وركزت على إبراز الثغرات المفترضة في الاتفاق، وترى هالي أن المجموعة الدولية أعدت الاتفاق بشكل يجعل من المتعذر انتقاد طهران حتى بسبب أنشطتها غير النووية، وإلا فإنه ينهار، وشككت في مشكلة أخرى في الاتفاق السابق والذي يعود حالياً, شككت في النص الذي تم التفاوض عليه لفترة طويلة، وقالت: «سواء ارتكبت إيران انتهاكاً كبيراً أو صغيراً، فإن الاتفاق لا ينص سوى على عقاب واحد وهو إعادة فرض العقوبات»، وأضافت: «وفي حال إعادة فرض العقوبات، فإن إيران تصبح معفية من كل التزاماتها.
رابعاً: البرنامج الباليستي ((Ballistic Missile الإيراني يعد أهم ثغرات الاتفاق السابق والحالي.. وهو من أهم وأخطر الأمور غير النووية الذي يفترض أن يكون أمره حازماً في هذا الاتفاق.. كما أن هنالك العديد من الأمور التي أهملها الاتفاق. ومنها «الدعم المالي والمادي للإرهاب» و»التطرف» واحتضانها نشطاء القاعدة، والمنظمات الإرهابية الأخرى مثل داعش وغيرها، وزعزعت الاستقرار في دول أخرى مثل دعم حزب الشيطان في لبنان، وعصابات الحوثي في اليمن، والتهديدات المتكررة لحرية «الملاحة» و»القرصنة المعلوماتية» و» انتهاكات حقوق الإنسان» و»الاعتقال العشوائي لرعايا أجانب» كل هذه المآخذ تعيب الاتفاق النووي مع إيران ولا يخدم هذا الاتفاق بنصوصه القديمة والحالية سوى إيران وحدها، وهو في كلتا الحالتين (سيئ) وسيدر على إيران حسب ما قالت مؤسسة أبحاث أمريكية متخصصة أنه بموجب هذا الاتفاق فإنه سيدر على إيران نحو (تريليون دولار) بحلول عام 2030م بما معنى أن هذا الاتفاق بنصوصه الحالية لا يسمن ولا يغني من جوع، وستزداد إيران غطرسة، وخروجاً عن المألوف, وصرف كل هذه لأموال على عصاباتها التي زرعتهم في كل مكان لزعزعة أمن الدول وتنفيذ مخططات كهنوتية لازالوا يحلمون بها فهل يعي المجتمع الدولي هذه الحقائق ويوقف هذا العبث الإيراني؟! أم أن كلّاً يغني على ليلاه دون الاكتراث بما يُشاهد ويُرى بالعين المجردة, فمن الكاسب في هذه الحالة ومن الخاسر؟! الجواب سنراه مع الأيام القادمة إذا تم هذا الاتفاق بشكله السابق دون تعديل يشمل ما ذكر وغدًا لناظرة قريب..