د.عبدالرحمن بن علي العريني
تسعى المنظمات بشكل عام، وغير الربحية بشكل خاص إلى تحقيق وتعميق الأثر من مشاريعها وبرامجها؛ سعياً منها لتعظيم إسهامها في المجتمع، والاستثمار الأمثل للموارد مقابل عوائد عالية، إلا أن المشكلة تكمن في طبيعة البرامج والمشاريع؛ إما لرتابتها فلا تراعي التغيرات المتسارعة والمترابطة في المجتمع، أو لقولبتها فهي حلول مصممة للجميع ولا تراعي الفروق الاجتماعية والاقتصادية بين المستفيدين، ولهذا السبب وأسباب أخرى ازداد في الآونة الأخيرة التركيز على الابتكار الاجتماعي، وهذا الحراك يعد خطوة إيجابية في طريق التغيير، ولعلنا نطرح في هذا المقال أفكاراً للتأمل من المهم أخذها بالاعتبار في هذا السياق.
الابتكار الاجتماعي ليس هدفاً بذاته، وإنما وسيلة وأداة نسعى من خلالها إلى تعظيم الأثر، وهذا المفهوم يساعدنا في تقييم ممارستنا للابتكار، فليست العبرة بجمال الفكرة وإنما في تعميقها للأثر واستدامته، وهل أسهمت في تلاشي التحدي أو كانت هدراً مالياً دون جدوى تذكر، كما أن الابتكار الاجتماعي منظومة متكاملة لإحداث تغيير أفضل تتضمن طرقاً وأدوات متنوعة، وقد تختلف فيها المدارس، إلا أن المهم هو أن نقيّم ونفهم ما نقوم به ونتأمله بعمق؛ لنتعرف كيف يعمل؟ وكيف نتعامل معه؟، فنحن لسنا روبوتات نطبق هذه الأدوات بحذافيرها فتخرج نتائج مذهلة؛ وإلا لكان كل الناس مبتكرين، إن الابتكار أو الإبداع يحتاج منا عمقاً في التأمل حتى يستولي على اهتمامنا ووقتنا لنصل إلى ثمرته يانعة مزهرة.
إن الفكرة لا يمكن أن تتبلور، وتصمد أمام التحديات إلا إذا بنيت على فهم معمق للسياق، وتحديد دقيق للمشكلة بأبعادها، ودُرست جميع المخاطر المتوقعة وكيفية التعامل معها، وصحبتها مرونة عالية في خطة تنفيذ الفكرة، وتقييم مستمر قد يغير من معالم الخطة؛ سعياً في تحقيق أكبر أثر ممكن، وهنا تتعاظم قيمة الكيف وقد تتناقص قيمة الكم.
ويعد الابتكار الاجتماعي أصعب من الابتكار في الصناعة أو التجارة، ويختلف عنه من أوجه عدة؛ لكثرة المتغيرات وتداخلها مما يصعّب قياسها أو تحييدها، كما أن الابتكار الاجتماعي يحتاج إلى التعاطف لفهم السياق وتحديد المشكلة بدقة، فليس من رأى كمن سمع، فلن نستطيع معالجة مشكلات مجتمعية معقدة من خلال ورش عمل مكتبية دون الشعور بحجم وأبعاد المشكلة، والتحدي يكبر لتحييد هذا التعاطف عند تنفيذ الحلول، فالتعاطف ضروري لفهم وتحديد المشكلة، ويعد إشكالية عند دخوله في تنفيذ الحلول.
ويبقى الابتكار الاجتماعي ضرورة ملحة في هذا الوقت نظراً للتسارع التقني والصناعي الكبير، والأزمات والتهديدات التي تعصف بالمجتمعات؛ مما يولد تغيرات مجتمعية وتحديات كبيرة تزداد تجذراً مع الزمن ما لم نبادر بحلها بحلول غير تقليدية، والمنظمات التي لا تتبنى الابتكار منهجاً لها سيتعاظم لديها الهدر مع ضعف في العوائد.