مشعل الحارثي
حديثي اليوم عن مدينة تكتب التاريخ ويكتبها التاريخ منذ مئات السنين، مدينة لا تحتاج إلى ألقاب أو مسميات، ففعل أرباب الأدب والحرف والكلمة والثقافة بها منذ أوابد الزمن وما تمتلكه من مخزون تاريخي وتراثي جعل لها حضورها واسمها في سجلات الزمن وأضابير التاريخ.
حديثي عن محافظة الطائف مدينة (سوق عكاظ) الملتقى السنوي العربي الأشهر منذ العهد الجاهلي بعنفوانها الثقافي التي امتزج فيها سناء الكلمة وسحرها، وسراج الحكمة ووعيها، وما أنتجته من مشاهد وحزمة من القيم والمعارف التي أسست لقيام حضارة عربية شامخة.
ولا خلاف على أن الثقافة رسالة ومعارف شتى، وعنصر من عناصر الهوية الوطنية، والمعرفة هي مفتاح السطوة، والمثقفين والمتعلمين هم أحد محاور القوة الوطنية، وأحد ركائزها الناعمة، وهم واجهة المجتمعات المستنيرة، وعنهم تنبثق الأفكار الخلاقة التي تخدم المجتمع وترتقي بمسيرته في جميع الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وبعيداً عن التشدق بتلك الكلمات والتعريفات المكرورة عن الثقافة وماهيتها واختلاف الآراء حولها وخروجاً من تلك النقاشات الفلسفية عندما نناقش الشأن الثقافي، وعلينا أن ننصرف أولاً إلى نقاش ما هو أهم وأجدى وإدراك أثر الثقافة الحقيقي والملموس في حياة الأفراد والجماعات، وفعلها بالغ الأهمية في تهذيب الشعوب وقدرتها على تشكيل الرأي العام وخلق الوعي الثقافي والسلوك الأمثل.
ومنذ صدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نهار آل سعود محافظاً لمحافظة الطائف، وكذلك الأمر الملكي الكريم بإنشاء هيئة عليا لتطوير الطائف ترتبط برئيس مجلس الوزراء والتي تلقاها أهالي الطائف بكل البشر والفرح والتفاؤل بعهد جديد ومرحلة نوعية واعدة بالخير والنماء لمحافظة الطائف، وكأحد أبناء مدينة الطائف مدينة المولد والنشأة وعطفاً على ما تقدم الحديث عنه وما تتكئ عليه هذه المدينة من تاريخ عابق بالتاريخ والأصالة، رغبت أن أطرح على سموه فكرة تبني مشروع إعادة صياغة وبناء ثقافة جديدة للطائف تستند إلى طبيعة المرحلة الراهنة ومتطلباتها، وإبراز القيمة الحقيقية للمدينة وتكون المرادف الحقيقي للبناء المادي وبيئة حاضنة للمثقفين والمبدعين، وانطلاقاً من أهمية تفعيل وتكامل المؤسسات الثقافية إلى جانب مؤسسات القطاع الخاص، وصولاً لصناعة ثقافية تنتقل بها من مرحلة الاجترار والخطاب الكلاسيكي المعتاد والنخبوية وندوات الصالات المغلقة إلى عمق الحياة اليومية، فنراها واقعاً ملموساً في الشارع والمدرسة والحديقة والعمل والبيت والهجرة والقرية وفي كل مرفق من مرافق الحياة.
وحسبي أن أضع هنا بعض الخطوط العريضة التي قد تضيء الشموع لمرحلة جديدة في تنمية الثقافة والمثقفين بالطائف ومنها:
1 - إقامة ملتقى سنوي أو نصف سنوي لمثقفي وأدباء الطائف من المقيمين بها أو خارجها والاستعانة بالجامعات والكليات والجهات ذات العلاقة لمناقشة واقع وتطلعات الثقافة في الطائف، وتكوين الخطط والبرامج وكل ما يساعد على التطوير والتنمية الثقافية.
2 - الاهتمام بالأطراف والمركز في خط موازٍ حيث يتواجد العشرات من المواهب والمثقفين الذين آثروا الصمت والابتعاد عن المشهد الثقافي، وهو ما يتطلب إعداد برنامج خاص للكشف عن هذه القدرات والمواهب وتبنيها بالصقل والرعاية من قبل الجهات ذات العلاقة.
3 - الاهتمام بعنصر التنسيق تلك الجوهرة المفقودة في اغلب الأعمال والجهات، فغياب التنسيق والاستراتيجية الواضحة جعل كل مؤسسة ثقافية تعمل على برامجها الخاصة بها دون النظر إلى البرامج الموازية الأخرى، وهو ما تسبب في تكرار الأنشطة وازدواجها في وقت واحد، ويتطلب ذلك وجود وحدة خاصة بالمحافظة لتنسيق الفعاليات وجدولتها وفق برنامج سنوي.
4 - تماشياً مع منطق الإعلام الجديد وثقافة الوسائط الرقمية فهناك حاجة لإنشاء موقع الكتروني وروابط خاصة بمنتجي الثقافة والمعرفة المتميزين في محافظة الطائف للتعريف بهم وبمنتجهم الإبداعي للآخر، ومنصات تفاعلية أخرى تعنى بقياس الأثر وتحديد الجوانب الإيجابية والسلبية في البرامج الثقافية والاستفادة مما يطرح بها من ملاحظات ومقترحات.
5 - إطلاق مهرجان الطائف للتراث الشعبي بمشاركة أصحاب المتاحف الرسمية والخاصة، وإحياء مهرجان الشعر الشعبي الذي شكل أحد سمات صيف الطائف قديماً بما كان يقام بها من احتفالات ومسامرات شعرية شكلت صورة من صور الثقافة المجتمعية.
6 - إعادة الوهج للسينما كأحد المشاريع الثقافية القديمة الظهور في الطائف، وكذلك الاهتمام بفنون المسرح والعروض المسرحية خصوصاً والطائف تضم نخبة من كتاب النصوص المسرحية البارزين على مستوى العالم العربي، ووضع برنامج لتكريم شخصية الطائف الثقافية.
وفي الختام تحدوني قناعة تامة بأن سمو محافظ الطائف الأمير سعود بن نهار سيولي هذا الجانب جل اهتمامه ورعايته حتى تكون الطائف قادرة على فرض نفسها ووهجها الثقافي السابق من جديد، وحضورها النشط في مسار الثقافة الإنسانية وأحقيتها أن لا تكون عاصمة للسياحة والاصطياف فقط بل وعاصمة العواصم للثقافة العربية.